ننقل القصة التالية عن المقدمة النفيسة التي افتتح بها (أبو الغصن جحا) خواطره التي أهداها إلى ولديه (جحوان) و (جحيّة). وقد ضمها مخطوط جحوّي نفيس، لعله مكتوب بخط أحد معاصريه أو بخط ابن أخيه: أبي السّبهلل: (طارق بن بهلل بن ثابت).
وسيرى قارئ القصة كيف استطاع الساحر أن يحول الدنانير الذهبية ذات الرنين الفاتن والبريق الخلاب، - منذ مائتين وألف من السنين - ورقاً عادياً لا قيمة له ولا خطر، قبل أن يهتدي إلى ذلك أعلام السياسة وأساطين الاقتصاد في هذا العصر، الذين استطاعوا - بفنون سحرهم - أن يحولوا الملايين من أموال حلفائهم ورقاً لا نفع فيه ولا غناء، ولا قدرة له على البيع ولا الشراء. كما استطاعوا من قبل - بفنون حقدهم - أن يحولوا ثروة العالم وصواعق ومهلكات تدمر الدنيا بمن فيها، وتنسف المدن بساكنيها، وتحيل الجبال الشم أودية ووهاداً، والأحياء - من الحيوان والإنسان - فحماً ورماداً.
قال (أبو الغصن عبد الله دجين بن الثابت) الملقب بجحا:
(كنت في زمن الطفولة الباكر حين وقعت حوادث هذه القصة لأبي عويف بن جعفر، وكان تاجراً أميناً معروفاً بين الناس بالورع والتقوى، موصوفاً بالبر والإحسان، وهو من جيراننا الأقربين، وكان جزاراً ناجحاً في تجارته، فلم يلبث أن ذاع صيته، واستفاضت الأحاديث الحسنة عما يسديه إلى الفقراء والمعوزين من فنون البر سراً وعلانية.
وذا صباح وفد عليه شيخ وقور مهيب الطلعة رائع السّمت يدعى (أبا تميم بن زهير) قد جلل المشيب رأسه ولحيته، وتألق وجهه بشراً ونوراً، حتى ليحسب من يراه - أول وهلة - أنه من أولياء الله الصالحين.
ولم يكد يحييه حتى خفّ إليه التاجر مرحّباً بمقدمه، متبركاً بلثم يده، يسأله أن يأمر فيطاع.
فهمس الشيخ (أبو تميم) في أذن التاجر يخبره بما اجتمع عليه أمره من بذل في سبيل الله.