للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فصول ملخصة في الفلسفة الألمانية]

٣١ - تطور الحركة الفلسفية في ألمانيا

تعليق المؤلف على فلسفة نيتشة

للأستاذ خليل الهنداوي

يتمتع نيتشه بما لا يتمتع به فيلسوف أخر، لان تفكيره قد تناول بالبحث أرباب الفلسفة وغير أربابها. وقد طغت (النيتشية) في الأعوام الأخيرة أي طغيان، فأما المعجبون به فهم يرون فيه المفكر الفرد الصارم العميق في جرمانيا الحديثة، له منزلة (دارون) في الأخلاق. وأما خصماؤه فهم لا يرون فيه إلا ولداً مريضاً، له خطره ومبدؤه الفاسد. وبينهما يقف الشعب حائراً، تراه من ناحية معجباً بآثار هذا الجبار ومظاهر تفكيره الغريب، ومحترساً من ناحية ثانية من مفكر ناقم على الأخلاق والتقاليد؛ والآن سنعمل على تبيان الأسس الرئيسية التي ترتكز عليها فلسفة نيتشه، والأهمية التي تنشأ عنها.

هدم النقاد فلسفة نيتشه من وجهين: في الوجهة الأولى أبدوا أخطاءها العملية. وفي الوجهة الثانية بينوا خطرها على الأخلاق

إن نيتشه في الطور الثاني من حياته لم يكن يكتسب شيئاً ولم يكن في استطاعته أن يكون عالماً؛ ولقد علمت رداءة صحته التي تحول بينه وبين مواصلة جهوده في البحث. فهو قد بدأ حياته العلمية بدراسة اللغات، ثم لم يلبث أن غادر هذا الميدان إلى غيره؛ وهو لم يكن في سائر العلوم إلا هاوياً، لا يسعى وراء ترقية هذا الفرع وذلك الفرع في العلوم، ولكنه يريد من وراء ذلك أن يبدع مسائل جديدة، أو يكسو المسائل القديمة ثياباً جديدة! فهو لا يؤثر في العلم نفسه ولكن في روح العالم. فان اشتقاقاته التي استنبطها في دراساته للغات القديمة لم تكن لتلائم الحقيقة، ولكن ذلك لم يكن ليحفل به، فهو يبغي أن يظهر طرق درس المسائل الاجتماعية بواسطة الدراسة اللغوية، فالقيمة الجوهرية لملحوظاته الخاصة هي شيء ثانوي عنده، سواء عنده حياتها ومماتها، فهو يكفيه فضلاً أن ينفخ في نفوس هؤلاء الدارسين روحاً جديدة ويفتح لهم آفاقاً جديدة.

ولذلك نراه في آخر أدواره جد قلق، يسعى بواسطة الدراسات اللغوية إلى أن يستكشف

<<  <  ج:
ص:  >  >>