عندما كبر والد الأبناء السبعة وطالت لحيته البيضاء بطول عمر، دعا إليه ثمار بذوره وتحدث إليهم في صوت خافت:(أبنائي! أنني أقف هنا في مكان مظلم وتقفون أنتم حولي ولكن انظروا: هاهي أمامكم سبعة مصابيح عددها كعددكم، فليختر كل منكم مصباحاً يستضيء به ويتبع نوره، ولا يأخذنكم الإعجاب بشدة ضوئها الحالي، فإني أنصحكم أن لا تتخيروا ما قد يبدوا لكم الآن أنه احسن المصابيح وأسطعها ضوءاً. انظروا إليها نظرة فاحصة ثم تخيروا ما شئتم، وإني لكم لنذير بأن اختياركم ذا اختيار نهائي لا رجعة فيه. فتبينوا الأمر قبل أن تقدموا، فإذا أقدمتم وتخيرتم ما استقر عليه رأيكم فلا تتحولوا عنه وأصروا على الاستضاءة به إصراراً، إذ الأفضل أن يؤمن المرء إيماناً تاماً برأي ما ويتبعه في إخلاص وأمانة، وفي ثبات وإصرار - ولو كان هذا الرأي خطا في جوهره - أقول أن هذا أفضل من أن يتبع المرء في تردد وضعف رأياً يؤمن في قرارة نفسه ببطلانه، ولو كان هذا الرأي في جوهره هو الحق والصواب).
فتقدم عند إذ الابن الأكبر ومد يده نحو المصباح الأحمر، ثم تمنطق بسيفه ودرعه وبدا على وجهه إمارات الجشع والطمع؛ ثم صاح صيحة الوداع وانقلب على وجهه مسرعاً ليقضي حياته كلها في السلب والنهب والإجرام.
ورأى الوالد سوء طالع ابنه وفساد رأيه، ولكنه لزم الصمت وأدار وجهه نحو الباقين مكن أبنائه ليرقب ما استقر عليه رأي ابنه الثاني، وكان ضعيف الجسم قوي العقل، فتقدم ببطء وتردد وأخذ يعمل فكره في تؤدة شأن الحكماء من بني الإنسان، ثم ترنح قليلا ومد يده نحو المصباح الأزرق وقبض عليه. فاغتبط الأب بهذا الاختيار أياما غبطة وقال:
(اذهب أنك لمن المبرزين، وإنك سوف تظهر على الناس أجمعين)!
وكان المصباح الأزرق - مصباح الحق - يتلألأ أثناء ذلك