تقول الآنسة إن علم الموسيقى الذي تطور على أيدي العرب تطوراً عظيماً - يعزى اقتباسه من الفرس الذين غلبهم العرب إلى أمر النبي، وإذا أردنا زيادة في التدقيق قلنا إنه أخذ من اليونان.
ولتسمح لي الآنسة أن أقول بصراحة إنه لا مبرر للرأي القائل إن النبي أمر بشيء كهذا. والحقيقة - كما يعرفها المستشرقون - هي أن الغناء في الإسلام كان ولا يزال معدوداً من الملاهي المحرمة، وأن كل فرقة من المذاهب الأربعة قررت حرمة السماع، أو على الأقل جعلته غير لائق ديناً، وقد كتبت مئات من الرسائل في أحاديث النبي عن تحريم الغناء.
لم تنشأ الثقافة العربية ولا الحضارة البدوية مع البدو الرحل أو الإسلام - كما افترضت الآنسة وإنما تجد منذ أوائل العصر الألفي الثاني قبل الميلاد أخباراً من مملكة عرب الجنوب، حيث نتلمس حضارة زاهية تضاهي ثقافة البابليين والآشوريين، وفي الحقيقة أن اليونان مدينون ثقافة للعرب، ويعتقد (همل) وآخرون أن من المرجح أن يكون اليونان قد أخذوا عن عرب الجنوب لا (أبولو (وليتو و (ديونيسوس و (هرمس فحسب، بل (الفاء) و (السين) من حروف الهجاء أيضاً.
وقبل الإسلام بزمان طويل نقرأ في ثنايا الكتب عن الكفاية الموسيقية عند العرب القدماء، ومن الإجحاف أن ندعي أنه لم تكن عندهم نظرية موسيقية إذا واجهنا أو قابلنا بين ما نعرفه من الثقافة العامة عند الكلدان والمعينيين والسبئيين والنبطيين والتدمريين، وبين من جاء بعدهم من اللخميين والغساسنة.
وتتبع الآنسة المدرسة القديمة القائلة - قبل قرن أو أكثر - إن العرب لم تكن عندهم نظرية موسيقية غير ما اقتبسوه من الفرس أو اليونان، وتسترسل في القول أن كلا الشعبين (اليونان والفرس) كانت لهما نظم موسيقية خاصة بهما، ولم يكن عند العرب حتى هذا الوقت نظام يستطيعون أن يجعلوه نظرية. ولدينا عبارة مماثلة لهذا القول في كتابها (رسل أسرة الكمنجة)(ص ٣٩٧ - ٣٩٨) إذ تقول: (أفتتح العرب فارس في القرن السادس، ومن