للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سجلاتهم نقرأ أنهم وجدوا نظام الفرس الموسيقى أرقى بكثير من نظامها، فاقتبسوه ودرسوه درساً عميقاً على أساتذة وطنيين).

أما الحقيقة فهي أن العرب حين افتتحوا فارس في القرن السابع، وكان لهم نظام صيروه نظرية قبيل فتح فارس.

ونجد المغنين العرب من حين إلى آخر يفاخرون بالتقاليد الموسيقية التي تحدرت إليهم من عصور الجاهلية مثل المغنية الجاهلية (رائقة) معلمة (عزة الميلاء). وكان العرب في هذه الحقبة التي ظن فيها حدوث هذه العارية الأجنبية حذرين من أي تعد على ذلك الشيء المقدس وهو القومية العربية. وهل يتساهل العرب في دخول الطرق والعادات الأجنبية بهذا القدر وكل كلمة من عمر تدعو إلى الجامعة العربية؟

ولئن قلنا إن العرب لم يكن عندهم نظام موسيقى في هذا الوقت (أي وقت فتح فارس) ليبنوا عليه نظرية لا تتفق مع الحقيقة، فلدينا شواهد كثيرة على وجود موسيقى وغناء في عصور الجاهلية، ويكاد يكون مستحيلاً أن نتصور هؤلاء القوم الذين كانت الموسيقى لهم من الحاجات الضرورية، والذين استطاعوا تهذيب أشعارهم كما نراها في المعلقات والحماسة والمفضليات، غير قادرين على تنظيم غنائهم.

ومن حسن الحظ أن حفظ لنا الفارابي مطولات عن نظام جاهلي في سلم الطنبور البغدادي كان يتوصل إليه بتقسيم طور الوتر إلى أربعين قسما؛ ويرجح أن عرب الجزيرة ورثوا هذا السلم عن الكلدان الذين ورثوه عن الآشوريين والبابليين، وحينما حل محله النغم الفيثاغوري في الشرق الأدنى وفارس كما حل بين عرب سوريا والحيرة، عاش هذا الطنبور في أرجاء الحجاز واليمن القاصية ووجد له عشاقاً حتى القرن العاشر بعد الميلاد.

كانت الحيرة في أيام الجاهلية المركز الأعظم للآداب العربية ومنها انتشر الشعر في أنحاء شبه الجزيرة. وبما أننا نعلم الصلة الشديدة بين الشعر والموسيقى فمن الممكن أن نتصور أن الموسيقى نفقت سوقها كالشعر، وفي الحقيقة يجب أن تكون الحيرة على ثقافة موسيقية عالية متى علمنا أن ملك الفرس العظيم بهرام غور (٤٣٠ - ٤٣٨م) أرسل إلى بلاط اللخميين العرب في تلك المدينة ليثقف، وهناك تعلم الموسيقى بين الآداب العربية الأخرى. وكان هذا قبل أن يتغلب العرب على الفرس. ولربما سأل سائل: ما الذي اضطر يزدجرد

<<  <  ج:
ص:  >  >>