روى ابن خلكان في حديثه عن ربيعة الرأي أن بكر بن عبد الله الصنعاني قال: أتينا مالك بن أنس فجعل يحدثنا عن ربيعة الرأي، وكنا نستزيده من حديث ربيعة، فقال لنا ذات يوم: ما تصنعون بربيعة وهو نائم في ذلك الطاق؟ فأتينا ربيعة فأنبناه، وقلنا له: أنت ربيعة؟ قال نعم. قلنا: أنت الذي يحدث عنك مالك ابن أنس؟ قال نعم. قلنا: كيف خطر بك مالك وأنت لم تخطر بنفسك؟ قال: أما علمتم أن مثقالا من دولة خير من حمل علم!!!
هكذا استطاع ربيعة الرأي بهذا الرد المفحم أن يسكت من جاء يؤنبه، وكانت كلماته هذه أصدق تصوير لما عليه المجتمع في كل العصور، وكل البيئات، فقد أدرك ربيعة أن العام لا يعظم قدره إلا إذا اتصل بذي سلطان، وأن الشاعر لا ينبه ذكره إلا إذا عاش في كنف عظيم، وأن الأديب لا يحمد أمره إلا إذا حظى بصحبة من بيدهم الأمر. والتاريخ يحدثنا بأنه قل أن نجد عالما قدر علمه في حياته، أو شاعرا سار شعره، أو فنانا علا صيته إلا وجدنا وراءه صاحب أمر يقدمه إلى الناس، وعندئذ فقط يلقى من الجماهير تقديرا لفنه، وإشادة بذكره وإعجابا بمواهبه، أما هؤلاء الذين وهبوا ملكات علمية أو فنية ولم يستطيعوا الاتصال بعظيم أو كبير فهم يعيشون منطوين على أنفسهم، منزوين في عقور ديارهم، لا يشعر بهم أحد، ولا تعرف ملكاتهم ولا تقدر مواهبهم. فمنهم من لا يقوي ملكته الفنية لأن الناس حوله لا يشعرون به، ومنهم من يغذي مواهبه وملكاته إرضاء لنفسه دون الحاجة إلى إرضاء الناس وهؤلاء هم الذين سنتحدث عنهم محاولين أن نظهر شخصيتهم الفنية، لأن هؤلاء أولى بالحديث عنهم لأن الفن أصيل عندهم. وهم كما قال أرسططاليس يعيشون للفن فقط، ومن هنا كان فنهم أرفع وأرقى من فن كثير ممن حظوا بشهرة واسعة، واسما عريضا، ونالوا تقدير الجمهور وإعجابه.
وأول حديث لي عن الشعراء المغمورين، هو الحديث عن شاعر معاصر هو الأستاذ حسن الطنطاوي سليم مدرس اللغة العربية بمدرسة المنيا الثانوية، فقد سمعت منذ شهور قطعة من شعره كان يحفظها صديق زميل، فأعجبتني تلك المقطوعة لما فيها من شاعرية وفن