أصيل، لاحظت أن الشاعر لم يكن من المتكلفين ولا من المنمقين، إنما يرسل الشعر عن طبيعة فنان متمكن من فنه في ألفاظ سهلة يسيرة ليس بها غموض ولا تعقيد، فهو يقول في هذه المقطوعة
رأى في اللهو متسعا ... فخلى الزهد والورعا
وأقسم لا يرى قمرا ... بدا، إلا به ولعا
فصار الحب مذهبه ... وعاد لغيده تبعا
وصرف الدهر شيبه ... وصير رأسه شيعا
ودق الهم أعظمه ... فما تاب ولا امتنعا
عذاب الحب شرعته ... رضينا بالذي شرعا
حقيقة أرى كثير من الشعراء المتقدمين تناولوا الغرض في شعرهم، وذكروا أمثال هذه المعاني، ولكن الشاعر الحديث أرق من القدماء، ولا سيما البيتين الأخيرين.
طلبت المزيد من شعر هذا المغمور، وأردت أن أعرف شيئا من ترجمة حياته، فكان من حظي أن ألقاه وأتحدث إليه ويتحدث الي، فعرفت أنه رجل عصامي حقا، نشأ في أسرة فقيرة، ولكنه كافح في الحياة، وذاق الحلو والمر، واضطر إلى أن يلتمس قوته في الوقت الذي كان يهيئ نفسه فيه للحصول على الشهادات الدراسية، يشتغل مرة كاتبا عند صائغ، ومرة أخرى كاتبا عند محام، ثم يحصل على كفاءة التعليم الأولى فيعين مدرسا إلزاميا، فناظر إلزاميا أيضا، ولكن لم تقعد به همته عند هذه الوظائف بل درس وجد في الدرس حتى حصل على دبلوم التجارة الليلية في نفس السنة التي حصل فيها على شهادة تجهيزية دار العلوم، وقد ساعدته مواهبه وملكاته على أن يحصل على هاتين الشهادتين من المنزل دون أن يتلقى العلم عن مدرس بالرغم من كده في أعماله الأخرى التي اضطرته إليها الحياة، واستمر في كفاحه حتى حصل على إجازة التدريس في دار العلوم وتقلب في مناصب التدريس بالمدارس الابتدائية والثانوية حتى استقر به المقام في بلده الذي نشأ فيه، وأصبح قانعا بما وهبه الله من سعة في الرزق. فازدادت إكبار له وإعجابا بنشاطه وهمته، واستمعت إلى أشعاره، فعجبت كيف يغمر مثل هذا الفن، ويجهل مثل هذا الشاعر المكافح المجاهد في الحياة. أنشدني قطعة من قصيدته (معجزة القرآن الكريم) وفيها يقول: