الشخصية من الموضوعات التي اهتم بدراستها علماء النفس منذ أوائل القرن الحالي. وقد ذهبوا في تحليلها إلى أنها تتكون من عوامل بعضها فيزيولوجي، وبعضها كيميائي، وبعضها عقلي، وبعضها خلقي ومزاجي. وقالوا إن نتيجة تفاعل هذه العوامل المختلفة تحت تأثير البيئة التي يعيش فيها الفرد هي التي تكون شخصيته. ومعنى ذلك أنه توجد علاقات فعالة بين كل مجموعة من هذه العوامل وبين بقية المجموعات الأخرى. وسأعالج في هذا الحديث موضوع العلاقة بين الذكاء والخلق، وأثر هذه العلاقة في حياة الفرد.
إن قارئاً أو ملاحظاً ليتعسر عليه - من غير دراسة وإحصاء - أن يجزم بوجود تلازم بين الذكاء والخلق الكريم، أو العكس؛ أي بين الذكاء والخلق السيئ أو الغباء والخلق الكريم. لأن الملاحظة العادية تدل على أنه يوجد بين الأذكياء، كما يوجد بين الأغبياء، الشرير المتمرد وكريم الخلق والوديع، وإن كانت بعض الروايات والأفلام نظهر شخصيات المجرمين والمحتالين في مظهر الأذكياء والعبقريين. وقديماً كان الإغريق يبيحون السرقة لأنها آية الذكاء، وكانوا يعاقبون من يقبض عليه سارقاً، أو تثبت عليه التهمة، لأنه غبي لم يستطع أن يفعل فعلته بمهارة ودهاء، فيفلت من أعين الرقباء، شأن الذكي الماهر.
والذكاء - ولاشك - عامل من عوامل النجاح في الحياة فهو الذي يعين الطالب في حياته الدراسية، والمحامي في مكتبه ومحكمته، والتاجر في تجارته، والزارع في حقله وحديقته. ويختلف أثره في نجاح حياة الفرد باختلاف نوع المهنة التي يقوم بها؛ فأثره في مهنة التاجر مثلاً أقوى وأظهر منه في وظيفة عامل البريد. هذا إذا استعمل كل منهما ذكاءه في إجادة عمله، ولكن الذكاء وحده غير كاف ما لم يؤازره خلق كريم متين. والتاريخ يثبت أن عظماء العالم، والعصاميين المبرزين في الأعمال العامة، قد امتازوا بالعقل الذكي، والخلق القوي، وإن من لم يتمتع منهم - إلى جانب الذكاء - بالخلق القويم، قد رأى انهيار عظمته المؤقتة قبل وفاته.
وفي الحياة اليومية يساعد الذكاء على التهيؤ الخلقي المناسب. فالذكي يعرف الظروف