للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[في الحب]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

الكلام في الحب يحلو للعاشق والسالي والخلي؛ وأنا والله (لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء)، وقد كنت أتوهم أني عشقت بضع من المرات في حياتي مذ عرفت أن لي قلباً وأن مكانه في الناحية اليسرى لا اليمنى. ولهذه المعرفة قيمتها عندي، فقد خيل إلي في صدر أيامي أني أحب فتاة وأفضيت إليها يوماً - أو على الأصح ليلة وكان القمر طالعاً والجو سجسجاً - بما يجن صدري، وأردت أن أؤكد لها الحب فأشرت إلى حيث الضلوع في الجانب الأيمن، وكانتأعرف مني بتركيب الجسم الإنساني، فضحكت وقالت: (هل أنت واثق مما تقول؟. .) فلم أفهم معنى لسؤالها وظننتها تريد أن تعاهدني على الحب والحفاظ وما إلى ذلك من الكلام الفارغ - أو الذي صرت أعتقد أنه فارغ - فوضعت كفها الرخصة على حيث أشرت لها إلى موضع قلبي وقالت: (مسكين هذا القلب!. .) فتناولت يدها وقبلتها وقلت على سبيل التأييد: (إي والله. . مسكين. .)

فسألتني: (وما العمل الآن؟. .) فقلت: (في أي شيء؟) قالت: (أليس الواجب أن نبدأ بقلبك فنرده إلى مكانه الذي حوله الحب عنه؟) قلت: (كيف؟. ماذا تعنين؟) قالت: (أن قلوب الناس هنا. . إلى اليسار. . ولكن قلبك قد وثب وثبة نقلته إلى اليمين؛ وهذا - فيما أظن - يجب أن يستعان على إصلاحه بالجراح. . والى أن يتم ذلك. . .)

فلم أدعها تتم كلامها ووليت هارباً. وخطر لي بعد ذلك أنه إذا كان القلب في غير الموضع الذي حسبته فيه فأن ما توهمته من إحساسه - أو بعبارة أدق - من الإحساس في ذلك الموضع لا بد أن يكون تخيلاً لا حقيقة له. وكانت هذه مغالطة، فليس من الضروري أن يعرف الإنسان موضع قلبه ليحب، ولكن المغالطة نفعتني وشفتني من هذا البلاء

وأنا لا اعشق بالمعنى المألوف لأني شديد النسيان سريعه. والنسيان يجعلني أمسى عاشقاً، واصبح سالياً. وكثيراً ما حدث أني عشقت، ولكن الليل يجيء فأجوع - ولا سيما في الشتاء - فأكل فيغلبني النعاس - والامتلاء يساعد عليه - وانهض في الصباح فيخطر لي شيء ساعة افتح عيني على الدنيا فاشغل بذاك عما عداه وافرغ من هذا الأمر الجديد في العصر أو بعد يوم أو اثنين؛ فاقعد أفكر فيما مر بي في يومي، أو في الأيام الأخيرة، وإذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>