روعت البلاد بالحادث الأليم الذي ذهب ضحيته القائمقام محمد شكيب بك؛ إذ أن الناس لا يزالون حين يعرضون لتفصيلات الحادث، تتجاذبهم النواحي المختلفة، وتجيش في صدورهم المعاني والعبر التي انطوت عليه. ولا شك أن كل قارئ قد نظر إلى الحادث النظرة التي تتفق وما شهده من أمثاله وما انتهى إليه من الدراسات والعلوم، وقابل بينه وبين ما وصل إلى مسامعه من أشباهه
ولا مراء في أن من الصور التي يعرض لها الخاطر معاني الانتقام والريبة والوسوسة وضعف السيطرة على الأعصاب، والصلات القائمة بين الرجل والمرأة، وبين القريب وقريبه، وبين الصديق وصديقه، وبين الرجل وعدوه، والوسائل التي تعالج بها المشكلات الإجماعية، حتى يسع المجتمع القضاء على ما يخالف القانون والآداب، وذلك بإزالة البواعث التي تؤدي إلى ارتكاب الجرائم واقتراف الآثام
ومن واجب المصلحين أن يتناولوا بالتفكير والدراسة علل المجتمع، وخاصة إذا ما نزلت كارثة، أو راع الناس خطب عظيم
ولما كان المقام لا يتسع للإفاضة في كل ما انطوى عليه ذلك الحادث الذي ذهب ضحيته ضابط كبير وشاب في مطلع الشباب، بل ذهبت ضحيته فتاة كانت لها آمال في حياة زوجية، وفزع من أجله صديق برئ لا ناقة له في الحادث ولا جمل، اللهم إلا رفقة تبرع بها كرهاً؛ فإننا نحاول في هذه الكلمة أن نعالج معنى من هذه المعاني التي قدمنا الإشارة إليها. ذلك أنني عرفت منذ بضع سنوات أحد الموظفين الذين لم يوفقوا في حياتهم الزوجية لأسباب تتعلق بما كان يملأ رأسه من بواعث الوسوسة والإسراف في سوء الظن، وأن بعض الظن إثم
كان صاحبي هذا يستريب من كل شيء، ويشك في كل حركة، لأنه مصاب بآفة سوء الظن في خلق الله جميعا وفي مقدمتهم المرأة. فكان يعود فجأة إلى داره لكي يقف على ما تفعله زوجه: أظلت قابعة في الدار، أم خرجت على غير انتظار؟ وهل بقيت في ثيابها المنزلية، أم ارتدت ثوبا نظيفا؟ فإذا رآها فعلت ذلك، أطلق لسانه فيها متسائلا عن سر النظافة