للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

سعدى التميمية

للأستاذ نجاتي صدقي

لقد شغل هذا الحادث قبيلة بنى تميم الضاربة خيامها على ضفتي الدجلة ردحا طويلا من الزمن ولم يهدا لها بال إلا بعد أن دفع الثمن، وكان غالياً.

ولهذا الحادث صلة متينة بالحب البدوي. . والحب البدري اعنف من الحب الحضري لأنه يقوم على الطبيعة عناصر غريبة من المادة والاجتماع والرياء. . . وهكذا صار للحب البدوي ملكه، وصار للحب الحضري شيطانه.

وزار ملك الحب بيت (سركال) من بني تميم، وصوب السهم إلى قلب الفتاة سعدي وحيدة أبويها فترنحت وسقطت اسيرة الهووى البرئ.

ولسوء طالع سعدي أن يكون فتاها محسن غريبا عن قبيلة بني تميم التي لا تبيح لأحد من غير قيلتها أن يتزاوج من فتياتها؛ فتشاور الفتى والفتاة في الأمر، واتفقا على الفرار، فرحلا إلى بغداد وسكنا في كرادة زوية، وهي ضاحية من ضواحي العاصمة تقع على ضفة الدجلة الشرقية، تحيط بها حدائق غناء وإحراج من النخل الباسقات الشبيهات بسرب من الصبايا الرشيقات.

وإذ كانت سعدى تتقلب بين ذراعي حبيبها وتشعر في جواره إنها اسعد فتاة في قبيلتها. كان أبوها يقلب (الدلة) مقسما بأغلظ الأيمان إلا يقدم لأحد قهوة حتى يمحو العار الذي لصق به وبقبيلته.

ولقب (الدلة) عند بني تميم مغزاه. . فالدلة حي ابريق القهوة، وإذا ما أراد أحدهم أن يثار لنفسه قلب ابريق القهوة رأسا على عقب، وتركه مقلوبا إلى أن ينال بغيته.

وبعد ثلاثة اشهر أفاقت سعدي من سكرة الحب، واخذ ضميرها يؤنبها على فعلتها الشنيعة، وراحت تتصول ما يلاقيه أهلها في القبيلة من عار ومذلة بل ما تلاقيه القبيلة كلها من مهانة واحتقار بين القبائل المجاورة، فارتبكت وجعلت تفكر في مخرج من هذه الكارثة. وللبدوية في حالة كهذه أحد طريقين لا ثالث لهما: أما الاستمرار في الغي أو الاستسلام وكلا الطرفين محفوف بالمخاطر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>