للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أتعود إلى أبيها وتجثو على قدميه تسأله الرحمة والمغفرة أم تواصل حياتها السعيدة إلى جانب شقيق روحها محسن؟

أتعود إلى أبيها وترفع عن كاهله وعن كاهل بني تميم كلهم عبئا معنويا ثقيلا، أم تظل مع (ولفها) تبادله هذه الهفوات الهنوات اللذيذة في العاطفة والأعصاب التي يطلق عليها الناس اسم الحب.

و (الدلة) اتظل طويلا مقلوبة؟

لا تدري سعدى كيف انسلت في صباح أحد الأيام من فراش حبيبها، وهو يغط في نومه وخرجت تتغثر في أذيالها ووجهتها بغداد،

وفي عاصمة الرافدين لجأت إلى بيت أحد الوجهاء من معارف أبيها بمثابة (دخيلة) فقبلها الوجيه مع ما في ذلك من متاعب لا حصر لها.

و (الدخالة) من العادات البدوية القديمة الجميلة، ولا تزال متبعة في العراق حتى أيامنا هذه.

قالت سعدى للوجية (دخيلة) عليك؟. . فرحب بها، ثم عهد إليها أمر العناية بأطفاله إلى أن تتم وساطته مع أهلها.

وقضت سعدى للوجيه (دخيلة) مدة ستة اشهر، والوجيه لا يألو جهدا في الوساطة لدى أبيها. . . غير أن هذا كان يابى دائما أن يعد الوجيه بشيء وكان يطالب بان تسلم ابنته نفسها دون قيد أو شرط. . . أو كما قال للوجية مرة: (لقد خرجت قضية سعدى من يدي، فالقبيلة هي التي تقرر مصيرها. . وما أنا في مثل هذا الظرف إلا منفذ لرغبة بني تميم).

وظلت (الدلة) مقلوبة كما كانت منذ تسعة اشهر.

أما سعدى، فكانت تعنى بأطفال الوجيه. وتقص عليهم القصص اللطيفة، التي تتحدث فيها عن الغزلان، والإبل والسراب، والعواصف الرملية، والرياح السموم، والفقار الوعرة والواحات النضرة. . كما كانت تغنى لهم أغاني تذكر فيها الدجلة والفرات. واليمام، وليالي بغداد، ونسيمها العليل، ونجومها الساطعة.

واستمرت الوساطة، ولكن دون جدوى، وظلت (الدلة) مقلوبة. . وغدت عينا سعدى محمرتين مثل الجمر من قلة النوم، وكثرة البكاء، فهي لم تظفر بعطف أبيها وخسرت حبيبها الذي خيل إليه أن ذويها اختطفوها وقطع الأمل من رؤيتها أو الاجتماع بها إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>