ومما أخذه على الكماليين خطتهم في تربية النساء، فقد أخذوا بيد المرأة التركية، ربة الدار الطاهرة، وأم الأشبال الباسلة، فقادوها إلى المراقص، والملاهي، ومجالس السمر أخذاً بسنن أوربا؛ وسموا هذا تحريراً للمرأة وإنصافاً لها وإعظاما، واعترافاً بقدرها، كأن المرأة لا تكون حرة إلا إذا هجرت الدار، وعمرت المراقص، وأهملت أطفالها لتجالس سمارها، وتركت سكينة الدار وسعادة الأسرة، إلى ضوضاء الملاهي ونزاع المحافل! لست آخذ على الكماليين أنهم تركوا المرأة تغشى المراقص اختياراً، ولم يردوها إلى الدار قسراً، بل آخذ عليهم أنهم هم دعوها إلى ذلك، وحرضوها عليه، وزينوه لها، بل ألزموها به بعض الإلزام حين نظروا شزراً إلى الموظفين الذي لا يأخذون زوجاتهم بإتباع السنن الجديدة، ويريدونهن على مسايرة النهضة النسوية، ويروضونهن على أفانين المعيشة الأوربية
فعل الكماليون هذا تقليدا لأوربا وتقرباً إليها، واستحياء من الاستمساك بآداب لا يعرفها الغربيون، والإبقاء على سنن ينكرها السادة الأوربيون. ثم زادوا تقرباً حين أباحوا تزوج المسلمة من غير المسلم، وقد عاشت المرأة التركية حقبا ترى واجبها أن تربي أشبالها للدفاع عن قومها ودينها، وحماية تأريخ الإسلام والترك، وترى نفسها أعز وأرفع من أن يلي أمرها غير مسلم؛ وكانت هذه الكبرياء عصمة لها ولقومها في المحن التي انتابتهم، والفتن المحيطة بهم، وفي هذا النزاع، نزاع الحياة والموت الثائر بين الشرق والغرب. فذهبت هذه (النهضة) بكبريائها، ومحت ما أورثها الإسلام والتاريخ من عزة وأباء
وأتم الكماليون إعظام المرأة وتحريرها بأن فتحوا دوراً للبغايا فسايروا بعض الأمم الأوربية، وشاركوا مصر الإسلامية في وصمة العار، وسمة الخزي، التي تحاول اليوم أن تمحوها عن جبينها. وقد بلغ من اعتدادهم بما فعلوا، وافتخارهم بما اقترفوا ما تبين عنه القصة الآتية: حدثني من لا أرتاب في صدقه قال: كنت على ظهر سفينة من عابرات المحيط، ذاهباً إلى المؤتمر البرلماني في البرازيل، وكان على السفينة جماعة من ممثلي الدول يؤمون المؤتمر، وكان فيهم مندوبو الحكومة التركية، فجلسنا مرة نتحدث، وذهب بنا