الحديث مذاهب حتى قال مندوب تركي مفتخراً متبجحاً: لقد أنفقنا كذا وكذا في بناء دور فخمة رائعة للبغاء (وذكر مقداراً من المال عظيماً جداً، لا أذكره الآن)
قال محدثي: فلما قام صاحبنا نظر مندوبو الدول الأوربية بعضهم إلى بعض ساخرين متعجبين يقولون: ماذا يريد أن يقول هذا الرجل؟
لا يحسبني أحد مجادلا في سفور المرأة واحتجابها فيقولون فيم يجادل هذا الجاهل؟ لقد سبقته المدنية مراحل كثيرة فجدال الناس اليوم في اللبس والعرى. لا يقولون أحد هذا فأني لست أنكر على المرأة أن تأخذ طريقها طليقة رشيدة، تصرف أمورها وتقوم بقسطها في الأمور العامة والخاصة على قدر ما تمكنها أعمال الدار والقيام على الأسرة. ولست أنكر أن الإسلام منح المرأة من الحقوق ما لم تظفر به نساء أمم في أوربا حتى اليوم. لا أنكر هذا ولا أجادل فيه، ولكني أظن بالمرأة أن تنزل عن عرشها في أسرتها لتتبذل في الطرق والمسارح والمراقص، وأشفق عليها أن يخدعها الرجال لحاجات في أنفسهم فيزينوا لها كل ما تنزع إليه مآربهم، ثم يكذبون فيذكرون الحرية والحق والإصلاح والكرامة ونحو هذا من الكلمات الكاذبة الخادعة، الثائرة الرائجة في هذا العصر. أيها الناس لا تخدعوا أنفسكم ولا تجحدوا أن لهو المدينة الحاضرة يدور معظمه حول جسم المرأة في الطريق والمرقص والمسرح وشاطئ البحر. وحسب المرأة ذلاً وهواناً أن تكون ألعوبة الرجال حيثما شاءوا وكيف شاءوا. وبعد هذا أمر لا يعالج بكلمات، ولا ينفد بيانه في صفحات، فحسبي أن أتناوله مجملاً موجزاً لا معدداً مناهج النهضة التركية الأخيرة
ويقتضي المقام هنا كلمة موجز عن نساء مصر: تغيرت المرأة المصرية في السنين الأخيرة تغيراً عظيماً. وبعض هذا التغير خير لا مراء فيه، فقد تعلمت وبصرت بمناهج الحياة، وهذا صلاح وخير؛ ولكن ما يسمى النهضة النسائية في مصر تشوبه شيات من الضلال، وألوان من أفن الرأي وخدعة الهوى، ويلتبس الخير والشر في كثير من جوانبها: في مصر جماعة تتكلم عن نساء مصر كل حين، وتدعى أنها تنطق بآلام المرأة المصرية وآمالها، وهي على ذلك لا تمثل إلا جماعة من النساء هن أقرب إلى أوربا من مصر، وأشبه بالأجنبيات منهن بالمصريات. وأما المرأة المصرية كما نراها وكما نود أن نراها فلا تمثلها هذه الجماعة إلا بزعمها؛ هي جماعة كثيرة القول والعمل في الجوانب اليسيرة