نقل الوالي (صبحي باشا) الذي كان يعطف على القباني ويشجعه في عمله الفني والترفيه عنه وتحسين مسرحه، وأقيم مقامه حمدي باشا في دمشق، ثم نقل هذا الباشا وأقيم مقامه غيره، وما من وال أتى دمشق إلا كان مناصراً ومشجعاً وآخذاً بيد هذا القباني.
وكان معجباً بعظيم فنه، ولكن الولاة هنا كانوا متفاوتين ومتباينين في التشجيع، فالبعض منهم كان يشجعه لنصرة الفن ونهضة البلاد وتغذية العقول وتنويرها، والبعض كان يشجعه لمرام وغايات سياسية القصد منها إشغال الشعب ولهوه وصرفه عن النظر للمعايب وكشف العورات، إلى أن آل الأمر في ولاية دمشق إلى الوالي (مدحت باشا) ذلك الداهية التركي المعروف صاحب حادثة الطائف وصاحب المواقف العظيمة في المناداة بالحرية والعدالة والمساواة.
والغالب على الظن أنه أقصى عن دار الخلافة إقصاء وأبعد إلى دمشق خشية استشراء حركته التحريرية وقتئذ.
وخنق في الطائف بتحريض الحاكم بأمره جبار بني عثمان. . .
وكان هذا الوالي من كبار ساسة الأتراك وعظماء رجالاتهم، وقد مكث في دمشق أربع سنوات على التحقيق عمل فيها من الإصلاح والتشييد والبناء ما خلد له في هذه الديار أعظم الذكر، وهو الذي خط (سوق مدحت باشا) جعل بدايته من باب الجابية ونهايته في أول حي الخراب الموصل إلى باب توما وحي اليهود، وإلى هذا فقد أصلح المساجد وعبد الطرقات ووسع الشوارع وأكثر من فتح المدارس، فازدهرت دمشق في زمانه أيما ازدهار، فأحبه أهلها وعرفوا فضله وما فتئوا حتى الآن يذكرونه بكل خير ومكرمة، ويتحدثون عن إصلاحاته وأعماله، ولا تزال السوق التي أقامها هنا تكنى باسمه إلى هذا اليوم وهي من