قد يستغرب القارئ إذا قيل له إن شمسنا ما هي إلا واحدة من شموس لا عد لها، وقد يزيد استغرابه إذا قيل له أيضا إنه بتلسكوب جبل ولسون الذي قطر عدسته العاكس متران ونصف متر، وبالوسائل المتعددة للتصوير بالفوتغراف استطاع العلماء أن يكتشفوا أن مجرتنا تتكون من ألوف من الملايين من النجوم، وأن وراء ذلك مجرات وجزرا كونيه أخرى يربو عددها على ملايين عديدة
قد يظن البعض أن الكون على هذه الحال مزدحم وليس فيه فراغ، وأنه ملآن بالعوالم والأجرام، ولكن الثابت أن كل هذه العوالم والأكوان لا تشغل إلا حيزاً صغيراً جداً بالنسبة للكون الأعظم، وأننا في خضم من الفراغ، وأن الفضاء أفرغ من أي شيء نستطيع تصوره. ليتصور القارئ وجود ثلاث نحلات في قارة أوروبا وعندئذ يكون هواؤها لا يزال أكثر ازدحاماً بالنحل من ازدحام الفضاء بالنجوم في أجزائه التي نعرفها. إن الأمواج اللاسلكية التي تسير بأعظم سرعة نعرفها (سرعة الضوء وقدرها ١٨٦٠٠٠ ميل في الثانية)، هذه السرعة تصل المريخ في دقيقتين، ولكن قد يذهل البعض إذا علم أن هذه الإشارات تحتاج إلى سنين، بل إلى مئات وألوف منها لتصل إلى سيارات بعض النجوم الموجودة خارج مجرتنا؛ وقد لا يصدق البعض الآخر إذا قيل له إن أقصى السدائم التي نراها في الفضاء يبلغ بعدها (١٤٠) مليون سنة ضوئية، أي أن ضوءها يستغرق ١٤٠ مليون سنة في الوصول إلينا. وسيكشف لنا العلم بوسائله المتعددة عن سدم أبعد من هذه بكثير
يظهر مما مر أن المسافات التي تفصل بين الأجرام السماوية شاسعة جداً قد لا يستطيع العقل البشري تصورها، وأن الكون أعظم مما نتصور، وكلما تقدم الإنسان في ميدان المدنية على اختلاف مناحيها تتجلى له عظمة هذا العالم وروعة هذا الكون، وتتجلى له غرائبه بما يخلب اللب ويدهش العقل ويحير الفكر
ومن يبحث في هذا الكون العظيم ويسع في الوقوف على أنظمته والقوانين التي تسيطر