كانت الحركة الإسماعيلية قوة تهذيبية عظيمة، اختصت بإنشاء مدارس وجامعات أشهرها جامعة الأزهر في القاهرة وبتصنيف دائرة معارف واسعة تذكرنا بحركة التأليف الأنسكلوبيدية في فرنسا في القرن الثامن عشر. وفي هذه الموسوعة المسماة (رسائل إخوان الصفا) نجد تقريباً كل الآراء التقدمية في ذلك العصر وإشارات قليلة ثمينة إلى نظم تشكيل الجمعيات، ومنها نعلم بوجود جمعيات لإخوان الصفا في جميع أنحاء الإمبراطورية تعمل لبث آرائها بين كل طبقات الشعب وخاصة بين الصناع وأصحاب الحرف
يرى الأستاذ ماسنيون أن الحركة الإسماعيلية هي التي أوجدت الطوائف الإسلامية وأعطتها ميزتها الخاصة التي حافظت عليها حتى الآن، إذ يقول: إن الطوائف الإسلامية كانت قبل كل شئ سلاحاً شهره الدعاة الإسماعيليون في كفاحهم لضم الطبقات العاملة في العالم الإسلامي لتكوين قوة منهم تستطيع قلب الخلافة وكل ما تمثله؛ وللتوصل إلى استغلال أصحاب الحرف أوجدوا الطوائف وسيطروا عليها. وهكذا أصبحت لها خاصيتان:(أولاً) كونها أصنافاً للحرف و (ثانياً) كونها مؤسسات أخوية إسماعيلية
دعنا نفحص الدلائل التي تؤيد هذه النظرية. يجب قبل كل شئ ملاحظة اهتمام الإسماعيلية العظيم بطبقات أصحاب الحرف فقد خصص فصل كامل في رسائل إخوان الصفا للنظر في الحرف اليدوية وتبويبها وتصنيفها ونبلها. وتهمنا بصورة خاصة الفقرة التي قسم فيها الذين لا يمتهنون الحرف كما يلي: قسم لا يمتهن الحرف كبرياء وأنفة، وقسم لزهده كالأنبياء، وقسم يقلدهما لكسله وقلة نشاطه كالشحاذين وغير الماهرين من الصناع أو لتراخ في الطبيعة وضعف في العقل كالنساء وما يشبههن من الرجال. فالإشادة المقصودة بأصحاب الحرف بينه، والأمثلة الأخرى على اهتمام الإسماعيلية بالحرف كثيرة. وهناك عامل ثان وهو الفرق بين وضعية الطوائف في عهد الفاطميين وبينها في عهود الدول