السنية. إذ كانت الطوائف تحت الحكم السني مضطهدة وخاضعة لقيود لا تعد، ومحرومة من حقوق قانونية. وكان هناك موظف حكومي يدعى المحتسب مهمته الأساسية مراقبة الطوائف وقتل أية محاولة للعمل المستقل فيها منذ المبدأ، ولدينا أدب ممتع ضد هذه الطوائف يظهر قلة ثقة الدول السنية بها، ويظهر ذلك خاصة في كتب الحسبة أي الكتب التي كتبت لفائدة المحتسب عن أخطر أهل الصنائع وعن احسن الطرق للسيطرة عليهم، وقد وصلتنا هذه الكتب من محلات متباينة كالقاهرة وحلب ومالقة
نلاحظ الفرق في وضعية الأصناف تحت حكم الفاطميين، إذ كانت تتمتع برخاء عظيم. فقد كانت معترفاً بها من قبل الدولة، ويظهر أنها كانت تتمتع بامتيازات كثيرة، وأنها لعبت دوراً هاماً في النشاط التجاري الذي حصل في العهد الفاطمي، ففي هذا العصر نشأت نقابة الأساتذة والطلاب التي تؤلف الجامعة العظيمة أي الأزهر الذي مر ذكره. ثم قضى صلاح الدين على الخلافة الفاطمية ١١٧١م، وأعيدت مصر إلى حكم السني وفي الحال جردت الطوائف من أكثر حقوقها وامتيازاتها وأخضعت لنظارة دقيقة
وهنالك عامل ثالث يؤيد هذه النظرية، وهو الأثر القوي الذي تركه النفوذ الإسماعيلي في الطوائف بعد اختفاء الدعوة الإسماعيلية بزمن طويل. إذ يقول الأستاذ كوبريلي إن الطوائف في أناضوليا في القرن الثالث عشر كانت لا تزال تحتفظ بنظام متدرج في التنشيء يشبه بدقة النظام الإسماعيلي، كما أن دراسة أصناف مختلفة في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي أظهرت آثاراً مماثلة. وتظهر رسالة لأحد الأصناف المصرية كتبت في القرن السادس عشر - كتاب الذخائر والتحف في بير الصنائع والحرف - كرهاً شديداً للحكم العثماني الذي يعتبر سبب تعاسة رجال الأصناف، ونجد في الرسالة فكرة انتظار المهدي لينقذ البؤساء
وهكذا نجد الآثار الإسماعيلية التي هي ضد التعاليم السنية تستمر بين الأصناف، ونلاحظ العبارة التالية في هذه الرسالة (إن العلم يعطلونه وبعد أن تذهب دولة العثمان يطلبونه ويقوم سيدي محمد المهدي لكل حرفة لها صدر في الصحابة ويأمرهم بإتباع الطريق فيدخلون السياج ويسألون كل نقيب عارف يصير الأمر له محتاج حتى يقوم الدين ويصلح اليقين ويبطل العقد والثلاث ويضرب أعناق النقباء الجاهلين والمشايخ المتلبسين)