وأهم من ذلك وجود أفراد من طوائف مختلفة بين أفراد الأصناف، وهي خاصة تميز هذه الأصناف بدقة عن النقابات الأوربية، إذ يقبل المسلم والمسيحي واليهودي تحت نفس الشروط فيها، حتى إن بعضها يغلب فيها غير المسلمين كأصناف الأطباء والمتعاملين بالمعادن الثمينة. . . الخ. وهذا يظهر الرابطة الدقيقة بين الأصناف والدعوة الإسماعيلية
يتضح من كل هذا أن الحركة الإسماعيلية لعبت دوراً هاماً في تطور الأصناف الإسلامية، وأنها تركت أثراً عميقاً خالداً في حياتها الداخلية، وإن لم يوجد برهان واضح يبين أن الحركة الإسماعيلية أوجدت الأصناف، ولكن الأكثر احتمالاً هو أن الإسماعيلية أعطت مصدراً جديداً ومعنى جديداً لتشكيلات كانت موجودة من قبل. فهل كانت هذه التشكيلات من أصل بيزنطي، أو كانت تقليداً لمؤسسات بيزنطية معاصرة خارج حدود الإمبراطورية الإسلامية؟ هذا ما يستحيل البت فيه. فأثار تشكيلات الحرف في الفترة التي سبقت الحركة الإسماعيلية والعامل الإغريقي العظيم في الأفكار يؤيد تفسيراً من هذا القبيل
وهكذا تكون النقابات الإسلامية عبارة عن نظام يتركب من هيكل موروث من العالم اليوناني الروماني وسلسلة من الآراء جاءت على الأخص من الحضارة الفارسية الآرامية وأنتجت حركة إسلامية إغريقية تهذيبية فلسفية تكتلية (على هيئة جمعيات) في نفس الوقت
وفي أوسط القرن الثالث عشر حدثت فاجعة الفتح المغولي الذي حطم الخلافة وأخضع المسلمين من سنيين وغيرهم على السواء إلى سيطرة شعب أجنبي كافر، وأفضى إلى طمس التمييز الاجتماعي بين الاثنين (السنة وغير السنة) وسهل نوعاً ما اعتناق الجماهير للمذهب السني. وباختفاء الحركة الإسماعيلية تحرج مركز الأصناف في المجتمع السني، إذ بقيت بعض الصعوبات، فأصحاب الحرف بقوا غير آمنين في نير الطبقات الحاكمة في الدولة. وربطوا أنفسهم بميول دينية هي وإن لم تكن خارجة عن الدين لم تكن دائماً فوق الشك، وهذا هو التصوف، فإلى زمن قريب كانت تصدر بعض التهم من علماء السنة ضد الأصناف كالأحكام التي أصدرها الفقيه السوري العظيم ابن التيمية، أو التي أصدرها الشيخ العثماني (منيري بلغرادي) في القرن السابع عشر. وعلى كل فبالرغم من كل هذا العداء كانت حالة الأصناف في الفترة التي تلت الفتح المغولي متوطدة، واستمرت كذلك حتى حركة الإصلاح التركي في القرن التاسع عشر التي انتهجت خطة أدت إلى انحطاط