هل استطاع التاريخ أن يصدر حكمه في ثورة الفرنسيين؟ إن هذه الثورة قريبة العهد، فحوادثها قريبة الحدوث وأكثرها مدون في وقته، مضبوط التاريخ وحكومة اليوم قائمة على تلك الثورة، ومن أكبر الجرائم في دولتها أن يعمل أحد على مس نظام الجمهورية الذي وضعته تلك الثورة، ومع ذلك فأنّا نجد الأفكار مقسمة مضطربة إذا تناولت ذكرها وحوادثها. فقوم من المؤرخين يتشيعون لها ويتغنون بكل ما كان فيها. وقوم آخرون ينكرون عليها فعالها، ويزوّرون من قاموا بها وآزروها.
وهل يستطيع العرب ألاّ أن يكونوا كذلك؟ فأن ثورتهم في مدة الخليفة عثمان لم تكن ثورة من كل الناس، وان اشترك فيها كل العرب بالرأي والقول، وتناولوها بين منكر ومنتصر. ولسنا بسبيل هؤلاء أو أولئك، ولكننّا نرى إنها مثل الثورة الفرنسية، ان اختلفت فيها الآراء فأن الكتّاب جميعا متفقون على انها كانت ظاهرة اجتماعية طبيعية. فلندع الخوف في هل كانت تلك الثورة حقا أم كانت باطلة، وحسبنا من القول أن يقال إنها كانت ثورة طبيعية، وإنها كانت خطوة في سبيل بناء الدستور العربي. وهي وان لم يشترك فيها كل العرب قد كان فيها ممثلون للأنحاء المختلفة من بلادهم، فقد كان فيها جماعة من مصر وجماعة من مصري العراق، كما اشترك فيها الأعراب من أنحاء جزيرة العرب. وقد جمعت جماعة من الزعماء كما ضرب فيها العبيد بسهم فعدد الثائرين كان محدودا، ولكن فكرة الثورة كانت شائعة، وكانت رقعتها كذلك محدودة، ولكن مدى الاشتراك فيها كان يشمل حدود الدولة العربية إذ ذاك. لسنا نقصد أن نقول إن العرب جميعا كانوا يريدون سفك دم الخليفة الشهيد، فقد كان هذا أبعد شيء عنهم، بل أن الفكرة ذاتها لم تكن في نفوسهم من أول الأمر، ولكن الثورة كانت في نفوس الجميع. وكانت ثورة طبيعية لا هي وليدة تدبير ولا هي بنت