حادثة، بل كانت نتيجة فكرة اختمرت في النفوس حتى صارت عقيدة، ثم كان من الأمر ما كان عن عقيدة.
كان انتخاب سيدنا عثمان كما سبق القول نتيجة اختيار واسع الرقعة وكان كذلك قائماً على تعهد وبرنامج، ثم جرت حوادث على مرّ الأيام لاحظها العرب وأحصوها في نفوسهم، وإذا قلنا العرب فإنما نقصد جميع العرب سواء في ذلك من كانوا في قلب الجزيرة والحجاز ومن كانوا في الأمصار. وهل كان أهل الأمصار يتركون الأمر يسير كما يشتهي فئة من قريش وهم جنود الدولة الذين يوفرون له الفيء والأموال، ويعودون عليها بالنصر والفتح. ولسنا في حاجة إلى هذا التساؤل فحسبنا أن نتذكر أن اختيار عثمان كان قائما في ناحية منه على رضا جنود الأمصار، فإذا لاحظ هؤلاء الجنود كيف يذهب فيئهم في غير وجوهه انقلبوا ينتقدون رئيس الدولة الذي يسمح بمثل هذا، وإذا رأوا مشيختهم يُعزلون عن البلاد التي فتحوها لكي تسلم القيادة إلى فتية لا غناء لهم ولا تحيط بهم ذكريات المجد والفتح أحاطتها بالزعماء المعزولين نفرت نفوسهم وطفقوا يحصون على الوالي الجديد أعماله ويسيئون تأويلها أو يزيدون تأويلها قبحا. ومنذ بلغ الحال هذا المدى بدأ النقد يتخذ شكل الشكوى. ونطقت الألسنة بما دار في النفوس من التهم.
ولسنا نقصد أن نذكر الحوادث أو نسرد ما كان من الخطوات التي أدت إلى الثورة، فذلك معروف متداول، ولكننا نذكر أمرين لا غنى عنهما: الأمر الأول أن رؤساء العرب في المدينة اقتنعوا اقتناعا كبيرا بحق الشاكين ووجوب إزالة ما يشكون منه وبدأت نفوسهم تنحرف عن عثمان عندما رأوه لا يبدي الجد في إحقاق الحق وكان جديرا به أن يكون عند الحق مقيدا. والأمر الثاني أن الذين كانوا يأتون للشكوى لم يكونوا من أهل الفساد والعبث بل كانوا رجالات من الزعماء أتوا وقلوبهم موغرة تملؤها الشكوى، وما كانوا يقصدون سوى أن تزال مواطن تلك الشكوى بعد أن بثوها مرارا.
وما كانوا مدفوعين إلاّ بعامل واحد وهو الإصلاح. وكان أبعد شيء عنهم أن يفكروا في قتل الخليفة، ويثيروا بذلك المشكلات والعداوات أو أن ينقضوا بناء الدولة الذي كان لهم الفضل في بنائه فضلاً عن انهم من جنود الدولة الحريصين على الدفاع عنها وبسط سلطانها. وإذا كان لابد من ضرب المثل للتدليل على صدق مذهبنا في هذين الأمرين