كانت له في كل يوم معركة مع ضميره. وقد ألف أن يخرج منها وهو مثخن بالجراح. أنه كان يحرص دائماً على أن يظل عامراً ما بينه وبين الله، وعلى أن يظل عامراً ما بينه وبين ضميره. وهل الضمير إلا الرقيب الإلهي في الإنسان؟ كل يوم كلما خلا إلى نفسه كان يقف خاشعاً بين يدي هذا الرقيب كأنه في صلاة ويجلد لحسابه العسير الشاق ويترضا. ولكم سكب في سجدة التقى والورع من الدموع يغسل بها قلبه ويطهره مما علق به من الآثام والأوضار. وما كان يبكي بعينيه حسب، بل ألف قلبه أن يبكي أيضاً. وكان قانعاً في عزلة روحه المؤمنة بعيداً عن ضباب الشهوات. ولكنه لم يكن سعيداً. ومتى أدت القناعة مفهوم السعادة؟
ولكن الصلة التي بينه وبين الله تعرضت آخر الأمر لامتحان رهيب. إنه منذ نزل على إرادة أمه، وبنى بالزوجة التي تخيرتها له، وهو يجتر الألم، ويحتضن الأفكار السود! بدا له أنه ودع حياة السعادة والأمل إلى غير رجعة؛ وأنه تناول بيده الراعشة الكأس التي مزاجها علقم وصاب؛ وأفرغها في جوفه! وأحس بعد خدرها أن بينه وبين الله بعيد بعد ما بين السماء والأرض. ولم يعد يجد في وحدته الشاعرة فردوسه المفقود. بل رأى بعينيه ريح الشهوات وهي تكاد تعصف بغرسه إيمانه. وأخرجت الذاكرة أحزانها كلها ونثرتها بين يديه! ذكر أنه لم يستشعر لزوجه أضعف الحب؛ وذكر أنه حاول أن يروض نفسه على حبها ويرضى بنصيبه المقدور. ولكن ذهبت محاولاته كلها قبض الريح! فإن زوجته لم تكن حتى على الجانب اليسير من الجمال.
وإنه لذلك بات يضبط في كل دقيقة نظراته المنهومة؛ متلبسة بجريمة اشتهاء وتطلع. أو ليس إنساناً قبل كل شيء؟ لقد حاول منذ تزوج أن يقتل الإنسان فيه ليظهر الملك! وأن يقطع صلته بالأرض ليصل بالسماء. ولكم يعاوده الجهد من جراء ذلك ولم يبلغ أربا.
وكل ما ناله أنه لم يعد في الناس واحداً منهم، ولم يرق إلى السماء ليصبح من أهلها. وآذاه أن يعيش هكذا حائراً بين المنزلتين ونازع نفسه التحرر من هذا الرقيب وأن يقضي في