فتعب عيناه من جلال هذا الجمال الماضي ويقبس ومنه قبساً. . . وكان يجد نفسه في غير وعي ولا إدراك يقابل بين زوجه وبين ما يصادفه من النساء الجميلات ويخرج من المقابلة وقد أيقن أنه إنما يعيش على هامش الحياة. . . وكانت نظراته الراغبة تبدأ من الشعر المعقوص ولا تزال تنحدر على الجسد البلوري حتى تفنى مع القدمين الجادتين في المسير! ويعود من رحلة بصره وقد أحس برسيس الحرمان ومضاضة الألم، ويكاد يكفر بالقيم الخلقية التي يمرض بها نفسه. . . ويخيل إليه أن السبيل الوحيدة إلى التخفف من آلامه الممضية أن يلقي بنفسه بين ذراعي امرأة!
ولكنه لم يفعل ذلك فإن الحارس الضمير كان لا يغفل أبداً. كان يرصد سيئاته ويحاسبه على النظرة النهمة حتى ترتد منيبة مكفرة. . .
. . . حتى كان ذلك اليوم الذي شعر فيه أن الخواء الذي رافق حياته قد صاحبه عقم زوجه! لقد كان وكده أن يكون أباً. . . وأن تعزيه الأقدار عن حياته المنقبضة إلى جانب زوجه بطفل يؤنس وحدة روحه! ويسكب في حبه له عصارة الحنان الأبوي الذي لم تتدفق منه قطرة!
ولكن هذه الأمنية لم تشأ الأقدار كذلك أن تهادنه فيها. ويا لها من سخرية - قوضت حياته وأطلعته على الجدب الذي يمرع فيه! ويا لمنطق الضمير حين يتكلم فيه معتذراً عن زوجه بأن عقلها إن هو إلا إرادة عادلة وحكمة كبرى ليس للعابد القانت أن يناقش فيها أو يجادل. ولكنه كفر لأول مرة بمنطق الضمير. وراح يتلمس السبيل إلى الثورة المجنونة التي لا تبقي ولا تذر! لقد مني بزوجة عاطل من الجمال، وكأنما لا يكفي هذا! أبت الأقدار إلا أن تصيب الزوجة كذلك بالعقم والجفاف لتكمل مصيبته!. . ولكن الله أورثه الفرج من الضيق. وحرك بفيض كرمه الجنين في أحشاء الزوجة. .
وهاهو ذا. . . ينتظر بين دقيقة وأخرى أن تصافح عيناه وجه طفله الأول. لقد أطل على زوجته منذ لحظات. واستملى من وجهها نظرة عابرة وهي راقدة في الفراش مخرورة الجسد، منهوكة القوى. . . مهدومة!. . ورآها وهي تجالد آلام الوضع المبرحة. . . وتمتم وهو لا يقوى على أن يصعد إليها بصره: