للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٦ - في الحديث المحمدي]

للأستاذ محمود أبو رية

رواية الحديث بالمعنى:

يحسب كثير من الناس أن أحاديث الرسول (ص) التي يقرئونها في الكتب أو يسمعونها من الذين يتحدثون بها قد جاءت صحيحة المعنى مصونة التأليف. وأن ألفاظها قد وصلت إلى الرواة سليمة كما نطق النبي بها بلا تحريف ولا تبديل فيها.

وكذلك يحسبون أن الصحابة ومن جاء بعدهم ممن حملوا عنهم إلى زمن التدوين قد نقلوا هذه الأحاديث بنصها كما سمعوها، وأدوها على وجهها كما لقنوها، فلم ينلها تغيير ولا اعتراها تبديل، ومما وقر في أذهان الناس أن هؤلاء الرواة قد كانوا جميعاً صنفاً خاصاً من بني آدم في جودة الحفظ وكمال الضبط وسلامة الذاكرة، وأن أذهانهم قد فطرت على صورة فريدة غير ما فطرت عليه أذهان غيرهم، فلا يصيبهم النسيان ولا يدركهم السهو، وأن كل ما يسمعونه لا تفلت منه كلمة ولا بند حرف.

ولقد كان لهذا الفهم أثر ولا جرم أثر بالغ في أفكار بعض شيوخ المسلمين جعلهم يعتقدون أن هذه الأحاديث في منزلة آيات الكتاب العزيز في وجوب الاعتقاد بها، وفرض الإذعان لأحكامها بحيث يرتد من يخالفها، أو ينكرها.

من أجل ذلك رأينا أن نتكلم عن هذه الناحية ليعلم الناس وجه الحق فيها، ويدركوا أن الأحاديث التي رويت عن الرسول (ص) قد وصلت إلينا بمعناها، وأن كل راو قد روى ما بقي في ذهنه منها.

الاختلاف في رواية الحديث بالمعنى:

ولما كانت الآراء في رواية الحديث بالمعنى قد اختلفت بين العلماء، وكان هذا الأمر مهماً جداً؛ فقد رأينا أن نأتي بأطراف من هذه الآراء المختلفة حتى يكون القارئ على بينة.

قال العلامة الجزائري في كتابه توجيه النظر

(اختلف العلماء في رواية الحديث بالمعنى، فذهب قوم إلى عدم جواز ذلك مطلقاً، منهم ابن سيرين وثعلب وأبو بكر الرازي وغيرهم، وروى ذلك عن ابن عمر. وذهب الأكثر ون إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>