جواز ذلك إذا كان الراوي عرفاً بدقائق الألفاظ، بصيراً بمقدار التفاوت، نبيهاً خبيراً بما يحيل معناها. . وقد تعرض لهذه المسألة علماء الأصول. . قال الأستاذ أبو إسحق الشيرازي في اللمع: والاختيار في الرواية أن يروى الخبر بلفظه لقوله صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمع؛ فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه). . وقد احتج من منع الرواية بالمعنى بالنص والمعقول. أما النص فقوله عليه الصلاة والسلام رحم الله من سمع مقالتي الخ. . قالوا وأداؤه كما سمع هو أداء اللفظ المسموع، ونقل الفقيه إلى من هو أفقه منه، معناه والله أعلم: أن الأفطن ربما فطن بفضل فقهه من فوائد اللفظ بما لم يفطن له الراوي لأنه ربما كان دونه في الفقه.
وأما المعقول فمن وجهين: الأول - أنا لما جربنا رأينا أن المتأخر ربما استنبط من فوائد آية أو خبر ما لم يتنبه له أهل العصور السالفة من العلماء والمحققين. . فلو جوزنا النقل بالمعنى فربما حصل التفاوت العظيم، مع أن الراوي يظن أن لا تفاوت (الثاني) - أنه لو جاز للراوي تبديل لفظ الرسول بلفظ نفسه كان للراوي الثاني تبديل اللفظ الذي سمعه بلفظ نفسه؛ بل هذا أولى، لأن تبديل لفظ الراوي أولى بالجواز من تبديل لفظ الشارع، وإن كان ذلك في الطبقة الثالثة والرابعة فذلك يفضي إلى سقوط الكلام الأول، لأن الإنسان وإن اجتهد في تطبيق الترجمة لكن لا ينفك عن تفاوت وإن قل، فإذا توالت التفاوت كان التفاوت الأخير تفاوتاً فاحشاً، بحيث لا يبقى بين الكلام الأخير وبين الأول نوع مناسبة. .
وحجة الجواز أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسمعون الأحاديث ولا يكتبونها ولا يكررون عليها، ثم يروونها بعد السنين الكثيرة، ومثل هذا يجزم الإنسان فيه بأن نفس العبارة لا تنضبط ّبل المعنى فقطّ لأن أحاديث كثيرة وقعت بعبارات مختلفة، وذلك مع اتحاد القصة، وهو دليل جواز النقل بالمعنى، ولأن لفظ السنة ليس متعبداً به بخلاف القرآن، فإذا ضبط المعنى فلا يضر فوات ما ليس بمقصود.
وقال القاسمي في قواعد التحديث
رخص في سوق الحديث بالمعنى دون سياقه جماعة منهم: علي وابن عباس وأنس بن مالك وأبو الدرداء ووائلة بن الأسقع وأبو هريرة ثم جماعة من التابعين يكثر عددهم، منهم إمام الأئمة حسن البصري ثم الشعبي وعمر بن دينار وإبراهيم النخعي. . . وكذلك اختلفت