ألفاظ الصحابة في رواية الحديث عن رسول الله؛ فمنهم من يرويه تاماً، ومنهم من يأتي بالمعنى، ومنهم من يورده مختصراً، وبعضهم يغاير بين اللفظين ويراه واسعاً إذا لم يخالف المعنى وكلهم لا يتعمد الكذب، وكانوا يقولون: إنما الكذب على من تعمده
وإذا كانوا قد اختلفوا على هذا الأمر فإن العمل قد جرى على رواية الحديث بالمعنى.
قال ابن سيرين: كنت أسمع الحديث من عشرة والمعنى واحد والألفاظ مختلفة. وروي عن عمران بن مسلم قال، قال رجل للحسن: يا أبا سعيد، إنما تحدث بالحديث أنت أحسن له سياقاً وأجود تحبيراً، وأفصح منه إذا حدثنا به! فقال: إذا أصبت المعنى فلا بأس بذلك. وقال النضر بن شميل: كان هيثم لحاناً فكسوت لكم حديثه كسوة حسنة يعني بالإعراب وكان سفيان يقول: إذا رأيتم الرجل يشدد في ألفاظ الحديث في المجلس فعلم أنه يقول: اعرفوني! وجعل رجل يسأل يحيى بن سعيد القطان عن حرف في الحديث على لفظه، فقال له يحيى: يا هذا ليس في الدنيا أجل من كتاب الله تعالى قد رخص للقراءة فيه بالكلمة على سبعة أحرف فلا تشدد.
وقال سفيان الثوري: إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني فإنما هو المعنى وقيل له يا أبا عبد الله، حدثنا كما سمعت! فقال: والله ما إليه سبيل وما هي إلا المعاني فأخبر بذلك الإمام أحمد بن حنبل فقال: هو كذلك. وقال النووي جمهور العلماء على جواز رواية الحديث بالمعنى. وقال الآجري عن أبي داود: كان سليمان بن جرب يحدث بالحديث ثم يحدث به كأنه ليس ذاك، قال النسائي كان ثقة مأموناً.
وقال وكيع: إذا لم يكن المعنى واسعاً فقد هلك الناس! وكان أبو الدرداء إذا حدث عن رسول الله ثم فرغ منه يقول: اللهم إن لم يكن هذا فشكله. وكان أنس بن مالك إذا حدث عن رسول الله حديثاً قال: أو كما قال. وعن مسروق عن عبد الله أنه حدث يوماً بحديث فقال سمعت رسول الله! ثم أرعد وأرعدت ثيابه وقال: أو نحو هذا أو شبه هذا. وفي رواية أخرى: أو نحو ذلك أو قريباً من ذلك.
وقال العلامة السيد رشيد رضا رحمه الله عند كلامه على أحاديث أشراط الساعة): لا شك أن أكثر الأحاديث قد روي بالمعنى كما هو معلوم واتفق عليه العلماء ويدل عليه رواة الصحاح في ألفاظ الحديث الواحد حتى المختصر منها وما دخل على بعضها من المدرجات