لقيته بعد تسع سنين على (تريانون) رائق الشباب رائع الصورة لطيف
الشارة كما عهدته. وكان هذا اللقاء الجميل مفاجأة سارة من مفاجآت
الغيب بان أثرها عليّ وعليه فلم ندرك كيف نسلم ولا ماذا نقول
هذا الشاب الطرير من أسرة لبنانية مسلمة، تلمذ لي حيناً من الدهر في أحد المعاهد الكبرى بالقاهرة، واتصل بيني وبينه الود بعد أن تخرج فيه، ثم رحل إلى العراق يزاول التعليم به، وانحصر وجوده بين بغداد وبيروت فلم أعد أراه. فلما رأيته بالإسكندرية في هذه الساعة على هذه الحالة مثل أمام عيني جزء مشرق من الماضي القريب كاد يغرقه في لجة النسيان حدثان الزمن
- متى قدمت مصر يا عبد الحميد وكيف أخفيت عني هذا القدوم؟
- قدمتها منذ ثلاثة أسابيع. وقد علمت أنك هنا فبحثت عنك في كل مقهى وفي كل شاطئ فلم أجدك. ومنذ يومين لم يعد لي في الإسكندرية عمل ولا أمل إلا أن ألقاك؛ فإني فوق أن أراك أريد أن أسألك أن عن أمر شغل بالي وشق علي
- خير أن شاء الله؟
فقال الصديق الشاب وهو يحاول أن يكظم شيئاً في نفسه بدت إماراته في نظرته القلقة وصوته المأخوذ ولهجته المترددة:
- أريد أن تدلني على كتاب في الإنجليزية يبين رزح الإسلام وحقيقة مبادئه وأصول أحكامه بطريقة يقبلها الرجل العصري المثقف
- هل وقعت - معاذ الله - في أزمة من أزمات الشك؟
- كلا وأحمد الله على قوة الإيمان وثبات العقيدة. إنما يتعلق الأمر بإنسان أحب إلى من نفسي، فتنته عن دينه فتون التعليم الأجنبي وفسوق البيئة. ولقد وقع في يدي اليوم كتاب في العربية عنوانه:(لماذا أنا مسلم) فراقني أسلوبه وأرضاني منهجه، ولكن صاحبي على مصريته لا يعرف العربية ولا يثق بما كتب فيها