- ألا تستطيع أن تقدمه إلي فأعينك على إقناعه وإرجاعه؟ فارتبك الفتى وكسر من طرفه. ثم ما لبث أن خفض جأشه وأرسل نفسه وترك تحفظه وقال:
- ما لي أخفي الأمر عنك وقد كنت لي في مشكلات الشباب والعيش المشير الصادق والناصح المخلص؟ إن الأمر يتصل بفتاة مصرية هويتها منذ سبع سنين، أبوها طبيب من الأطباء الموظفين النابهين تعرفه كما أعرفه، وأمها إنجليزية دخلت في الإسلام لئلا تحرم الإرث كما يقال، والفتاة بارعة الجمال رضية الأخلاق رقيقة القلب عفيفة الدخلة، تلقت دروسها الابتدائية في مدرسة أمريكية بالقاهرة، والثانوية في مدرسة إنجليزية بلندن، فهي في ثقافة الجسم والعقل والروح مثال المرأة الحديثة الصالحة. لقيت أسرتها أول مرة في إحدى مدن لبنان فألف بيننا تجاوب الشعور وتقارب للثقافة، وتمكنت الألفة بيني وبين الفتاة بحكم الطبيعة والسن، وتأثير اللهو والرياضة، فما كنا نفترق في اليوم والليل إلا ساعات النوم القليلة. وكان أبواها يساعدان هذا الهوى الوليد بإطلاق الحرية وإرصاد الفرص واعتقاد الثقة، فلم نعد إلى القاهرة معاً حتى كان هذا الحب عاتيا جباراً يذهب بقلبي وقلبها كل مذهب.
ثم دأبت على زيارتها في بيتها كل يوم في النهار أو في الليل فنقضي أوقات الفراغ في القراءة أو في النزهة أو في التنس أو في السينما! وفي كل لحظة تمر أو لفظة تقال يكشف كلانا في الآخر دليلاً جديداً على أنه عروس أحلامه وموعود غده
كانت تسافر أوائل الخريف إلى لندن فيكون بيننا بريد دائم بالفكر المستمر والطيف المثابر والكتابة المتصلة. فلا ندع فكرة يبعثها الخيال أو الشوق، ولا كلمة يوحيها العقل أو القلب، إلا تبادلناها بالتفكر أو التذكر أو الحنين أو الكتابة في النوم أو في اليقظة. ثم تعود أواخر الربيع إلى القاهرة فيعود أنسنا باللقاء، وسرورنا بالحديث، ومرحنا بالرياضة، فلا نترك متنزهاً ولا ملهى في العاصمة والضاحية إلا أشهدناه على آية من آيات الحب، أو ساعة من ساعات السعادة
ثم رحلت إلى بغداد فنشأت في نفسي رغبة شديدة في بناء بيت وتكوين أسرة، فخطبتها إلى أبويها في شتاء هذا العام واستقر رأينا على إعلان الخطبة في الصيف متى عدت من بغداد وعادت هي من لندن