أخذ الروح الإسلامي في مدى عشرين عاما يرسل أضواءه المتلاحقة في المجتمع المصري الحديث، حتى أصبح لدينا وعي ديني يحسب حسابه، ويلمس أثره الواضح في كل اتجاه، غير أن طائفة من الكتاب يطبقون عيونهم عما حولهم، فلا يقدرون لهذا التيار العنيف أثره البعيد في اختلاف النظرة، وتحول الرأي، بل يتكلمون عن الدين كما كانوا يتكلمون عنه في مطلع هذا القرن، قبل أن تتبدل الحال غير الحال، حيث أفلح الاستعمار في أداء رسالته التبشيرية ردحاً من الزمن، فرسم للشريعة الإسلامية صورة مخيفة مفزعة تتقوض معها دعائم الحضارة والعمران، وقد أذن الله أن ينجاب ليل الباطل عن النفوس، فأخفق أعداء الإسلام في محاربته، وأسفر صبحه الوضئ بهيجاً ساطعاً، فسار الناس على ضوئه وطالبوا بتحقيق رسالته، وهم لابد واصلون إلى ما يبتغون على يديه من خير وإصلاح.
ولقد كانت القوانين الوضعية تسن في مصر مخالفة روح الشريعة الإسلامية قانونا آثر قانون، ويقابلها الرأي العام في الصحف والأندية مرحبا هاتفا، فإذا اعترض عليهم مسلم مخلص لدينه وعقيدته، رمي بالجمود المتأخر، والرجعية البالية، وقوبل حديثه باستخفاف هازئ وسخرية مريرة، أما الآن فقد تيقظ الوعي الديني في الأمة المصرية تيقظاً يبشر بالخير والسداد، والتف الجمهور الناضج حول الشريعة الإسلامية التفافا متماسكا، وسمع الناس كلمة الدين في حقوق المرأة تدوي عالية قوية، فيذعن لها أصحاب التشريع، ويقف لديها القانون سامعاً مطيعاً، ولكن الرجوع إلى الحق لم يرض فريقاً من الناس فاندفعوا يهاجمون القوانين الدينية هجوماً فاشلا، ويرددون النغمة البالية التي لحنها الاستعمار قديماً لتحول بين الشعب وكرامته، فهم ينذرون الوطن بالتأخر والفشل إذا احتكم لقرآنه في تشريع، أو تبع دينه في مذهب، وقد أدهشني أن أجد الأستاذ محمد عبد الله عنان - مع ما عرف عنه من التعقل والاتزان - يصيح مع هؤلاء الناقمين، فيهجم على قوانين الشريعة