لجامعة فؤاد الأول بالقاهرة دعاة ينادون بلا ملل وفي تكرار يشبه الإلحاح بمنزلة (الجامعة) وبالقداسة الجامعية وباستقلال (الجامعة) وبمنحها سلطة مطلقة ليست في البحوث العلمية فحسب، بل أيضاً في التعليم المدرسي والتثقيف الشعبي
وللأزهر من رجاله وأبنائه من يكثر الحديث عن الأزهر وعن تقصيره وعن المسافة التي يبتعد بها الأزهر في سيره العلمي عن المثال الجامعي
وبقدر نموّ سيطرة الدعاة لجامعة فؤاد الأول على الرأي العام المصري، بقدر ما يفقد الأزهر بمن يكثرون الحديث عن بطئه أو جموده في السير الجامعي، من سلطان كان له على الرأي العام الإسلامي وكسبه لمنزلته من العقيدة ومن الثقافة الشعبية
وربما كان هناك غلو فيما ينادي به دعاة جامعة فؤاد الأول، وربما كان هناك غلو أيضاً فيما يصوره بعض الكاتبين الأزهريين يحول بين الإنسان الذي تؤثر فيه الدعاية، إيجابية أو سلبية؛ وتتحكم فيه العاطفة، وبين معرفة الواقع. والرأي العام هو ذلك الإنسان في صورة مكبرة
وربما كانت مبالغة دعاة الجامعة لأنهم من رجال العصر، وربما كانت مبالغة بعض الكتاب الأزهريين لأنهم من رجال العهود السابقة وهي عهود قريبة إلى الطبيعة الساذجة التي لم تلتو بعد
ولكن وراء الداعين من رجال جامعة فؤاد الأول، ووراء المتحدثين عن الأزهر من رجال الأزهر حقيقة تدرك وتتضح في الإدراك، وتصور وتتضح كذلك في التصوير، مدركها من غير هؤلاء وهؤلاء، وهو المؤرخ وبالأخص مؤرخ الحياة العقلية والعلمية لشعب من الشعوب. ومصورها من غيرهم أيضاً، وهو معالج الظواهر الخاصة بأمة من الأمم.
ما هو المثال الجامعي الذي إذا وجد كان للجامعيين دولة هي دولة العلم والفكر، وكان للجامعة قداسة هي قداسة الإرشاد الواضح في النواحي المختلفة لحياة الجماعة الخاصة ثم للإنسانية؟ المثال الجامعي يكون إذا تجردت البحوث عن العوامل الشخصية؛ عن الطائفية وعن الحزبية وعن الدعاية. يوجد المثال الجامعي إذا خلصت البحوث للعلم - بقدر ما