(رسول الحرية إلى قومه، المجاهد الذي أبلى في جهاده مثل
بلاء الأنبياء)
للأستاذ محمود الخفيف
لئن كان في المجاهدين رجل أعوز في جهاده المرير كل سلاح فتسلح بإيمانه فحسب ومشى يهزأ بكل قوة حتى تغلب بذلك الإيمان وحده على جميع القوى التي غالبته، واثبت في النهاية أن المثل العليا في مختلف أوضاعها هي خير هاد للبشرية إلى ما تنشد من كمال، فذلك الرجل هو يوسف مازيني رسول الحرية إلى قومه، المجاهد الذي أبلى في جهاده مثل بلاء الأنبياء.
وما نجد في الذين خلوا من قبله من المجاهدين والزعماء من كان مثله في ذلك؛ فهذه جان دارك الفتاة الناعمة على ما توافى لها من إيمان قد لبست الحديد واعتلت صهوة جواد وأقدمت يحف بها الجند وتلتمع من حولها السيوف؛ وهذا وشنجطون الزعيم الشيخ قد خاض إلى النصر غمرات الحتوف على رأس الأنجاد البواسل من جنوده؛ ثم هذا لنكولن المجاهد الصابر لم يجد بداً آخر الأمر من امتشاق الحسام ليصل به إلى ما لم تجد في الوصول إليه وسيلة من الوسائل.
لذلك كان مازيني بدعاً من الزعماء، وكان كفاحه فاتحة عهد جديد في كفاح المغلوبين على أمرهم، ثم كان جهاده مثالاً يحتذي كما كان صبره على ما لقي من الأذى ومجابهة حوازب الخطوب أحقاباً طويلة وحياً للمجاهدين من بعده يوحي البطولة إلى نفوسهم ويربط على قلوبهم ويحبب إليهم التضحية والفداء. ومن هنا كان خطر مازيني في تاريخ الحرية، ثم من هنا كان أساس عظمته ومبعث قوته.
أما في الذين خلفوا من بعده فقد نستطيع أن نضع إلى جانب أسمه أسم سعد في مصر واسم غاندي في الهند؛ فلقد انتهج هذان البطلان منهجه عامدين أو غير عامدين، إذ كان سلاح كل منهما إيمانه فحسب، وكان ما تعرض له كلاهما من ألوان الخطوب بحيث يبوئهما بلا