خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان من طين فكان الإنسان تجسيداً لما جرى في علمه تعالى من صوره، وكان الإنسان مجالاً لطائفة من آيات الله أراد لأمر أن يراها حية على مسرح الكون
هذه حقيقة لا أجبر القارئ على أن يؤمن بها معي وفق ما أرضاه، وإنما أدعه يؤمن بها على هواه، فإذا كان من أصحاب الدين فهو معي، وإذا لم يكن منهم فهو معي أيضاً، ولكن بعد فرقة قصيرة لابد إن يلقاني إثرها ليشهد أن الإنسان كان التمثال الذي يرجع إليه المثالون جميعاً مستوحين مستلهمين، ومتعلمين دارسين، وباحثين مدققين، ومعجبين مأخوذين وليشهد أيضاً أن الإنسان ما يزال هو هذا المنبع الذي لم ينضب منذ تعقبه الفن، وليشهد بعد هذا وذاك أن الإنسان لن ينفك أن يكون المورد الذي يقصد إليه كل من يبهره الفن الناضج الكامل
هذه هي البداية التي يجب أن نلتقي عندها لنمشي معاً ولننظر بعدها إلى الإنسان - وهو مرجع الفن - كما ينظر إليه النحات الفنان.
أي شيء في هذا الإنسان؟ وأي شيء في الحيوان معه؟ وأي شئ أغرى المثالين بأن يكثروا من تماثيل الناس إكثاراً ملحوظاً، فلم يحيدوا عنها إلا إلى الحيوان قليلاً، ثم لم يرضوا بعد ذلك أن يعرجوا على النبات والجماد فيستقوا منهما فناً؟
إنها هي الحياة من غير شك - والحركة مع الحياة - فليس شيء يميز الإنسان ومعه الحيوان أمام النحت على النبات والجمال غير الحياة الحركة. فإذا قلنا (الجمال) رأينا في الزهر والجوهر جمالاً؛ وإذا قلنا (الجلال) رأينا في الدوح والجبل جلالاً، وإذا قلنا (الصوت) رأينا النحت يهمله لأنه يقصر عنه. . . فلم يبق - فيما أظن - للإنسان