تخير فريزر أربعة من النظم الاجتماعية ليبين ما للخرافة من أثر في نشأتها وتكوينها. وهي: الحكومة، والملكية الفردية، والزواج، واحترام الحياة الإنسانية. فأثبت في وضوح أن الخرافة ساعدت على تأييد الحكومة وبسط نفوذها، وكانت عاملاً قوياً من عوامل الأمن والنظام. وثبتت كذلك دعائم الملكية الشخصية وصيرتها مقدسة بحيث أصبحت في مأمن من السلب والعدوان، واستطاع أصحابها أن ينتفعوا بها تمام الانتفاع. وحاربت الزنا والزناة فدفعت الناس إلى الزواج وحببتهم في الحياة الأسرية. ثم صورت الخرافة أخيراً الموتى والقتلى في صورة أشباح عظيمة الهول وأرواح تنتقم ممن اعتدى عليها، فكان في هذا ما صرف الناس عن سفك الدماء ودفعهم إلى احترام الحياة الإنسانية؛ وهذه النظم الأربعة هي عماد البناء الاجتماعي بأسره، إذا اضطرب واحد منها اضطربت له الجمعية كلها. فكأن الخرافة لم تؤثر في بعض النظم الاجتماعية فحسب، بل أثرت في عناصر الحضارة والتقدم على اختلافها. هي شر جاء من طريقه خير كثير، وخطأ في ذاتها إلا أنها هدت الناس إلى صواب عظيم. وليس يعني الجمعية أن تكون مدفوعة إلى الخير ببواعث خيرة بقدر ما يعنيها أن تصل إلى هذا الخير من أي طريق كان وكيفما كانت الدوافع. والأفراد أنفسهم لا يخرجون عن هذا القانون ولا يتعدون هذا النظام، إذ ما دامت أعمالنا طيبة، فليس يعني الغير كثيراً أن تكون نوايانا صالحة. ولئن ملأت الخرافة أدمغة الناس بخزعبلات لا حصر لها وقادتهم إلى أخطر الويلات، لمن الظلم أن ننسى أياديها في الترفيه عن الإنسانية والدفاع عن المجتمع. وكفاها إحساناً أنها هيأت للعجزة، والضعفاء، والجهلة، وناقصي العقول وسيلة من وسائل العمل الصالح وسلكت بهم سبل الخير. فهي كالعود قد ينقذ غريقاً، أو كالفنار الضئيل الذي، وإن لم يتجاوز ضوءه ظله، يهدي كثيراً من المارة وعابري السبيل