(هذه إشارات إلى أصول وتنبيهات على جمل يستبصر بها من تيسر له، ولا ينتفع بالأصرح منها من تعسر علية.)
بهذه العبارة يفتتح ابن سينا كتابه (الإشارات)، ونريد بهذا المقال أن نتعرف على أي نحو وإلى أي غرض أشار ابن سينا ونبه في إشاراته وتنبيهاته.
وكتاب (الإشارات) يحتوي على ثلاثة فنون: المنطق والطبيعيات والإلهيات، وكما يختلف الواحد منها عن الآخرين في موضوعه وغرضه، تختلف كذلك في طريقته للوصول إلى هذا الغرض.
ولقد خلف فيلسوف الإسلام تراثاً جليلاً شغل الفكر الإنساني في كل جيل، وتدارسه العلماء والفلاسفة من بعده في الجامعات، وليس أدل على مكانته التي تبوأها من ابن خلدون:(وترى الماهر منهم - العلماء - عاكفاً على كتاب الشفاء والإشارات والنجاة)، وحلت كتب ابن سينا الفلسفية محل كتب أرسو عند فلاسفة الأجيال المتلاحقة، وأفردوه له بالبحوث الطوال.
ولا عجب إذا كتب (ماكدونالد) في الإنجليزية كتاباً عن (معاني الوهم في التفكير الإسلامي) كان لإبن سينا فيه مكان مرموق. وكتبت الآنسة (جوا شون) في الفرنسية كتابها (ثبت باللغة الفلسفية عند ابن سينا) إلى غير ذلك مما كتبه الطليان عن احتمال إطلاع (ديكارت) على آراء ابن سينا كما ذهب إلى ذلك بسبب نصوص الإشارات التي نقلها (غليوم أو فرني) عن ابن سينا إلى اللاتينية.
وأسلوب ابن سينا الفلسفي في جل كتبه - إن لم يكن في كلها - طريف فازت (الإشارات) من طرافته بأوفر نصيب، تلك الطرافة التي تتجلى في عرض المسائل عرضاً علمياً دقيقاً، ونقدها في تؤدة العلماء، وأناة الفلاسفة، مما نرى شبهاً لها في طريقة (هيجل).
والكشف عن طريقة هذه في الإشارات يستلزم النظر في ثلاث:
أولاً: معاني المفردات التي أشار ونبه بها لغة واصطلاحاً.