للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ثالثاً: تحديد الظلال السيكولوجية التي تلقيها معاني هذه المفردات.

ففي البحث عن اللغة الفلسفية عند ابن سينا مزاج طريف من اللغة والفلسفة والنفس، وفي كل ميدان حاول ابن سينا وتطاول، وكان له القدح المعلى ولما كان المنطق دهليزاً إلى سائر العلوم كانت أبوابه انهاجاً، والنهج طريق بين واضح سالك مستقيم، وهو منهاج ومنهج وجمعه أنهاج ونهجات، قال تعالى (لكل جعلنا منكم شرعاً ومنهاجاً) وقال العباس (لم يمت رسول الله حتى ترككم على طريق ناهجة)

والطبيعيات والإلهيات غير المنطق في كونه يتوصل منه إلى سائر العلوم. وهي إنما تقصد بذاتها، لهذا كانت أبوابها أنماطاً، والنمط في الأصل نوع من الثياب المصبغة، ولا يقال للأبيض نمط. والنمط أيضا ضرب من البسط. والعرب يشبهون الطرق بخطوط الثياب. قال طرفة يصف الطريق الذي سارت به فيه ناقته (على لا حب كأنه ظهر برجد.) والبرجد هو الثوب المخطط خطوطاً ظاهرة. وجمع النمط أنماط ونماط. قال المتنخل: علامات كتحبير النماط. ويستعمل النمط في المتاع والعلم، فيقال نمط للضرب من الظروب والنوع من الأنواع، والمذهب والفن والطريق والطريقة.

وأذن فقد انتقل المعنى عن الحس إلى المعنوي، من الثوب إلى الطريق إلى الطريقة، كما انتقل معنى (الأسلوب) من صف النخيل إلى الطريق إلى الطريقة. والنويري في (نهاية الأرب) يقسم الباب الخاصة بكيفية العلم والعمل بأسماء الله تعالى إلى عشرة أنماط في السفر.

وهكذا دل ابن سينا بالأنماط على أبواب الطبيعيات والإلهيات كما دل بالأنهاج على أبواب المنطق.

وليس الناس سواء في سيرهم وهذه الأنهاج وتلك الأنماط، لهذا نصب الشيخ الرئيس من نفسه هادياً ومرشداً للضالين والتائهين الواهمين، فمنهم من تكفيه الإشارة، ومنهم من تاه في بيداء الوهم ممن يعوزه التنبيه أو زيادة التنبيه، ومنهم من استغرقته الجهالة فكان له من ابن سينا تبصرة أو زيادة تبصرة، ومنهم من ضلَّ ضلالاً بعيداً فكان له منه حسن الهداية؛ ومنهم من أخطأ التوفيق فكان له منه فائدة، وقد يتفق معه ابن سينا ثم يفترق عنه إلى موعد أو إلى موعد وتنبيه، إلى غير ذلك من تذكير له أو تذكرة ثم تذنيب على إشارة أو تحصيل

<<  <  ج:
ص:  >  >>