استأثرت هذه المشكلة بقسط غير يسير من نشاط الباحثين في مختلف العصور، وذهب العلماء بصددها مذاهب شتى يرجع أهمها إلى أربع نظريات:
(النظرية الأولى) تقرر أن الفضل في نشأة اللغة الإنسانية يرجع إلى إلهام هبط على الإنسان فعلمه النطق وأسماء الأشياء. وقد ذهب إلى هذا الرأي في العصور القديمة الفيلسوف اليوناني هيراكليت وفي العصور الوسطى بعض الباحثين في اللغة العربية، كابن فارس في كتابه الصاحبي. وفي العصور الحديثة طائفة من العلماء على رأسها الأب لامي في كتابه فن الكلام ' والفيلسوف الفرنسي دو بونالد في كتابه التشريع القديم
ولا يكاد أصحاب هذه النظرية يقدمون بين يدي مذهبهم دليلاً بمطلب يعتد به. أما أدلتهم النقلية، فبعضها يحتمل التأويل، وبعضها يكاد يكون دليلاً عليهم لا لهم. فالمؤيدون لهذا الرأي من باحثي العرب يعتمدون على قوله تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها) وهذا النص، كما ترى، ليس صريحاً فيما يدعون، إذ يحتمل أن يكون معناه - كما ذكر ذلك ابن جني في كتابه الخصائص وذهب إليه كثير من أئمة المفسرين - أن الله تعالى أقدر الإنسان على وضع الألفاظ. أما القائلون بهذه النظرية من الفرنجة، فيعتمدون على ما ورد بهذا الصدد في سفر التكوين إذ يقول:(والله خلق من الطين جميع حيوانات الحقول وجميع طيور السماء، ثم عرضها على آدم ليرى كيف يسميها، وليحمل كل منها الاسم الذي يضعه له الإنسان، فوضع آدم أسماء لجميع الحيوانات المستأنسة ولطيور السماء ودواب الحقول)
وهذا النص كما ترى لا يدل على شيء مما يقول به أصحاب هذه النظرية؛ بل يكاد يكون دليلاً عليهم. ومهما يكن من شيء، فلا صلة للدليل النقلي بمقام البحث العلمي
(النظرية الثانية) تقرر أن اللغة ابتدعت واستحدثت بالتواضع والاتفاق وارتجال ألفاظها ارتجالاً. وقد ذهب إلى هذا الرأي في العصور القديمة ديمو كربت (من فلاسفة اليونان في القرن الخامس ق م)، وفي العصور الوسطى كثير من الباحثين في فقه اللغة العربية، وفي العصور الحديثة الفلاسفة الإنجليز آدم سميث وريد ودجلد ستيوارت , ,