الأستاذ ح. ع. من خيرة رجالنا العاملين في السلك الدبلوماسي، مثل مصر ولا يزال يمثلها في ممالك الشرق العربي، فأفاد بذلك خبرة نادرة بأحوال البلاد العربية في الوقت الحاضر، وأنشأ لنفسه بخلقه وإخلاصه ونشاطه مكانة عالية عند ملوك العرب، وساستهم، وأدبائهم، وعلمائهم. وإني لسعيد بأن أقول إني اطلعت على ذلك بنفسي في بعض تجوالي في ربوع الشرقين الأدنى والأوسط
وقد واتى الحظ الأستاذ ح. ع. وساعفته ظروف عمله الدبلوماسي فأدى فريضة الحج ثلاث مرات استطاع أن يدرس في أثنائها على هدى التاريخ وفي ضوء الواقع حال ذلك النظام الإسلامي الجليل المعدود خامس أركان الإسلام. ثم صاغ خلاصة دراسته في رسالة لطيفة الحجم عظيمة الفائدة، يعرف فيها من يطالعها بلاغة الأدب، وفكرة الفيلسوف، ونزعة المصلح المؤمن برسالة الإسلام وبإمكان إنهاض المسلمين من عثارهم بالرجوع بهم إلى كثير من نظمهم وسننهم الأولى. فجاءت الرسالة من أحسن ما كتب عن (الحج)، ومن خير ما أخرجته المطابع المصرية في هذا العام
ينعى الأستاذ على المسلمين فيصدر رسالته إهمالهم أمر الحج حتى كاد هذا النظام العتيق يفقد على مر الزمن من الناحية العلمية الحكمة التي قصد إليها الشارع من تشريعه. فهو يقول:(أما بعد فقد أديت فريضة الحج ثلاث مرات، وشاهدت الحجيج من جميع الأجناس، وخالطت منهم طوائف كثيرة، وحادثت كبارهم وذوي العقول منهم، ودرست بفكري وعيني وقلبي، فكنت أرى وأفكر وأبحث، وكنت استلهم كل شيء حكمته، وكل مكان وحيه، وكل عمل سره، فظهر لي أخيراً أن الحج لا يزال مجهولاً في حقيقته، وأن الذين يحجون إنما يؤدون عملاً فردياً محضاً، ولا يعرفون إلا ظاهراً من الأمر. . .)
والرسالة تنقسم إلى ثلاثة أقسام، أولها في أن الإسلام دين إنساني عام، وأنه دين المساواة