(القيثارة الخالدة التي غنت أروع أناشيد الجمال والحرية
والخيال. . .)
للأستاذ محمود الخفيف
- ٢ -
بين عهدين: منشأ البيوريتانية
وما ذلك المذهب الذي جر على اتباعه كراهة مخالفيهم زمنا، والذي قدر له أتخر الأمر أن يظفر بخصومه جميعا ويسيطر على البلاد حقبة من الزمن؟
إذا أردنا أن نعرف كيف نشأت البيوريتانية في إنجلترة، وجب ان نرجع إلى تلك الحركة التي انبعثت في أوربا في أوائل القرن السادس عشر، والتي اصطلح المؤرخون على تسميتها الإصلاح الديني ففي هذه الحركة الإصلاحية أرومة البيوريتانية، على أن نراعي في نظرنا إلى حركة الإصلاح الديني مشاعر الإنجليز التي هي نتيجة ما أحدثته بيئتهم من اثر في ميولهم ومزاجهم وفلسفة حياتهم؟ لتبين كيف استجاب فريق منهم لدعوة الاصلاح، نرى من ذلك أن استجابة هذا الفريق على نحو اختصوا به هو روح البيوريتانية؛ فما كانت البيوريتانية في إنجلترة إلا صورة معينه من صور الإصلاح الديني العام الذي شملت دعوته أوروبا في النصف الأول من القرن السادس عشر.
كانت هذه الحركة الإصلاحية ثمرة من ثمار النهضة الأوربية العامة ومظهرا من مظاهرها فقد نفذ نور النهضة إلى كل ركن من أركان الحياة ومنها الدين؛ وما كان لوثر بطل الدعوة الإصلاحية في ألمانيا وأول رجل تحدى البابوية إلا معبرا في الواقع عن معان وآمال كانت تهجس في نفوس كثيرة من المفكرين غيره، وإنما كان له فضل البدء والسبق في مضمار الجهاد، وكان بدء دعوته سنة ١٥١٧.
وكانت دعوة لوثر في جوهرها ثورة على دعوى البابوية أنها تحكم مفوضة من الله في