أمور الدين والدنيا، وعلى امتيازات القساوسة واطماعهم، وعلى ما ورثته المسيحية من مظاهر الوثنية القديمة؛ فهي من ناحية وثبة على سلطان الكنيسة ومن ناحية أخرى رغبة في العودة بالدين إلى جوهره الخالص من شوائب البدع والضلالات. . .
رأى لوثر أن في وسع كل مؤمن أن يتصل بربه مباشرة لا عن طريق قسيس كما تزعم الكنسية، بل إن في وسع كل امرئ أن يكون قسيسا إذا اخلص قلبه لله. وأنكر لوثر عقيدة الكنيسة في العشاء الرباني إنكارا شديدا، فما يقبل عقله أن صلاة القسيس لدى قربان من الخبز والنبيذ على المذبح تحيله فعلا إلى مادة المسيح نفسه لحما ودما. وطعن لوثر اشد الطعن على زعم البابا انه يملك الغفران والحرمان، وسخر اعظم السخرية من بيع الكنيسة صكوكا تمحو الذنوب والآثام. وخطا لوثر خطوة إيجابية فترجم الإنجيل إلى الألمانية، وطلب إلى الناس أن يكون مصدرهم الإنجيل وحده لا تعاليم الكنيسة. وتداول الناس قراءة الكتاب المقدس بأنفسهم ولم يأخذوه عن القساوسة وشاع فيهم هذا الكتاب عامتهم وخاصتهم بفضل ما استحدث من وسائل الطباعة فرأوا مبلغ ما دخل على الدين من زيف، وعجي الناس إذ وجدوا في الإنجيل أن القديس بطرس نفسه لم يعصم من الخطأ وأنه أنب على أخطائه. وإذا كان هذا شان بطرس القديس فما بال رجال الدين، وقد بعدوا عن المسيح وعهده هذا البعد الزمني، يزعمون العصمة لأنفسهم من الأخطاء؟
وأمعن لوثر في إظهار مبلغ ما صار إليه رجال الدين من إقبال على الدنيا وبعد عن الزهد، فما يهم الرجل منهم إلا جمع الهبات والصدقات، وانهم ليديرون الأراضي الموقوفة على الكنيسة منذ الاقطاع، ويشغلون أنفسهم بأمور دنيوية بحتة، ويتدخلون في الشؤون السياسية يطمعون أن تكون له سلطة كما للأمراء سلطة، حتى قلد نسوا رسالتهم الروحية ولم يبق لهم إلا مظهر يتجلى في ملابسهم وفيما يشخصون فيه من طقوس الأدعية والصلوات وما إليها مما لا يعد من جوهر الدين ولا من رسالته العليا. وألقى لوثر تبعة هذا الفساد على عاتق البابوات الذين ادعوا لأنفسهم السلطة الدنيوية في العالم المسيحي أثناء العصور الوسطى مخالفين بذلك آباء المسيحية ولأولين الذين كانوا يدعون ما لقيصر وما لله لله. . .
ولم يكن مرد ما أحدثه من عظيم الأثر في ألمانيا ثم في أوروبا كلها إلى آرائه وحدها، ولكنه اثر في الأذهان اعمق الأثر بمسلكه كذلك؛ بهذه الجرأة البالغة التي خيل إلى الناس