أنها اعظم من أن تكون صيحة بشر؛ فهذا أحد رجال الدين يتحدى البابا ويسخر من الكنيسة، وكان من يفكر بينه وبين نفسه آن أحد القساوسة يخطئ بله البابا نفسه يأثم بهذا إثما لا يمحوه إلا التوبة والندم!
وكثيرا ما يؤثر العظماء في الناس بأعمالهم ولو لم يقولوا شيئا فتكون أعمالهم ابلغ من كل مقال، هذا لوثر بقوله وعمله، فهو لا يتردد أن يحرق رد البابا على آرائه وفعل ذلك على أعين الناس، ثم يقابل قرارا البابا بكفرانه وطرده من رحمة الكنيسة، بكل ما في وسعه من عدم مبالاة وسخرية. . . ويعد عمل لوثر هذا في الحق فصلا رائعا في تاريخ حرية الفكر منذ أن بدا الناس يعشقون حرية الفكر وينادون بحرية الفكر، وستظل وثبته وقوته وجرأته حديثا عذبا تجري به الألسن وتبتهج له النفوس كلما اتجه الناس بأذهانهم إلى ذلك الأمل الحلو اعني به انطلاق الفكر من قيوده. . .
عصفت دعوة لوثر بسلطة الكنيسة وزلزلت القساوسة ومكنت لحرية الفرد اكبر تمكين، فلكل امرئ الحق أن يفكر في أمر دينه تفكيرا حرا لا يتقيد فيه بقيد؛ وكانت ترجمة للإنجيل إلى الألمانية فتحا ونورا، بهر العقول، وحرك النفوس الجامدة، وكشف للناس العقيدة الأولى نقية من شوائب الوثنية سليمة من ضلالات الكنيسة.
وما لبثت دعوة الإصلاح أن نهض بها زعماء غير لوثر، نخص منهم بالذكر كلفن الفرنسي الأصل الذي أحدثت آراؤه من عميق الأثر في أوروبا كلها ما لم تبلغ إلى مثله أراء لوثر نفسه.
وقد بدأ هذا الداعي دعوته سنة ١٥٣، وكانت أول خطوة خطاها هي توجيه الطعن إلى كنيسة روما وإظهار معايبها على نحو ما فعل لوثر.
ولئن اثر لوثر بإقدامه وحميته وتحديه وفصاحته، فلقد اثر كلفن بفلسفته القوية، ومنطقه الصارم الواضح الذي لا عوج فيه، ثم بمبادئه الخلقية التي استمسك بها ولم يسمح في تنفيذها بأية هوادة.
آمن كلفن بعقيدة القدر المحتوم؛ فكل إنسان مقدر عليه أمره من قبل أن يبرأ؛ والناس من اجل ذلك فريقان: فريق هدى وفريق حقت عليه الضلالة، وليس يتسنى في هذا العالم أن يعرف من هم أهل النعيم ومن هم أهل الشقاء، اعني لا نستطيع أن نحكم على امرئ أمن