ألقى كاتب فرنسا العظيم خطابه التأبيني في ساحة موسكو الحمراء حيث شيع جثمان كاتب روسيا العالمي مكسيم جوركي إلى مقره الأخير قال:
ليست المصيبة بموت الكاتب الكبير مكسيم جوركي بمصيبة الاتحاد السوفييتي وحده، إنما رزء العالم كله، مادت لهوله الأرض من أقصاها لأقصاها. ولقد كان يسمع هذا الصوت الجبار الناطق بلسان الشعب الروسي العظيم في كل قطر، وينفذ صداه إلى كل قلب. ولست أعبر في هذا الموقف عن شعوري وحدي، فهو شعور الآداب الفرنسية، بل هو شعور الأدب في أوربا، بل هو شعور الثقافة في العالم كله.
بقيت الثقافة زمناً طويلاً وقفاً على الطبقات الرفيعة، فلا يرد منهلها إلا فئة من الناس توفرت لهم أسباب الفراغ، وما أخالكم تجهلون كيف تتوفر أسباب هذا الفراغ الذي تكدح من أجله الأغلبية الساحقة من البشر، لتدع وقتاً تتلهى فيه تلك الطبقة الرفيعة القليلة بالثقافة والفنون الجميلة. وما أظنكم تجهلون أيضاً أن ورود منهل الثقافة ليس بمستطاع لكل من آنس في نفسه ميلا أو ذكاء أو مقدرة. لقد ظهر في ميدان الثقافة رجال كبار من عامة الشعب أمثال موليير وديدرو وروسو، لكنهم كتبوا لغير طبقتهم وما قرأهم إلا الذين توفر لهم الفراغ.
تشاءم الناس لثورة أكتوبر العظمى التي حررت الأغلبية الساحقة من النير المستحكم على رقابها، فقالوا وكرروا القول بأن الثقافة أساس مدنية الإنسان مهددة بالتأخر والانقراض، لكن الأمور برهنت على عكس ما توهموه، فأن النظام الجديد رحب بالثقافة وعمل على ازدهارها.
ودلت التجارب على أن الخطر آتٍ من نظام الرجعة الذي ارتأته الطبقة السائدة. وقد اجتمع الكتاب لحفظ الثقافة في مؤتمر وجدوا فيه أن الخطر عليها كان في العناصر الفاشستية التي تبغي الهيمنة على الفكر وجعله أداة تسخره في سبيل أغراضها، وفي العناصر الوطنية المتطرفة البعيدة عن محبة الوطن الصحيحة، وأخيراً وجدوه في الحرب التي تسعى إليها