للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تلك العناصر القائمة على البغضاء وحب الذات.

لقد كان عليّ أن أرأس مؤتمر الكتاب المنوي عقده في لندن، لكن النبأ باشتداد مرض جوركي اضطرني أن أشخص مسرعاً إلى موسكو. ففي هذه الساحة الحمراء التي شهدت أحداثا كثيرة سجل بها التاريخ صحائف بعضها في الشرف والمجد، وبعضها في الخزي والعار، وإلى جانب ضريح لينين العظيم الذي تصوب إليه أعين لا يحصى لها عد، أعلن بالنيابة عن الكتاب المجتمعين في لندن وبالأصالة عن نفسي أن حفظ الثقافة وتقدمها معلق بأهداب الرجال القائمين بالحركات الثورية التقدمية، ومصيرها منوط بمصير الاتحاد السوفيتي الذي نحميه نحن الثوريين بكل ما أوتينا من قوة.

إن فوق كل مصلحة لأي شعب على هذه البسيطة مصلحة تجمع بين الطبقات العاملة المشتغلة الموزعة بين هذه الشعوب، وإن فوق كل أدب ناطق بلسان من الألسن، أدبا إنسانياً يعمل على نشر ما في كل أدب خاص من الفضائل؛ وقد وصفها ستالين بقوله: (وطنية في الشكل، اشتراكية في الأصل).

لقد قلت مراراً بأن الكاتب بقدر ما يكون ذاتياً مخلصاً لذاتيته، تكون غاياته سامية وعامة. وليس من كاتب روسي شديد الميل لروسيته مثل مكسيم جوركي، لذلك فأنا لا نجد كاتباً روسياً ذاع صيته وكثر قراؤه مثل مكسيم جوركي.

شاهدت أمس الجماهير الغفيرة التي جاءت تلقي التحية الأخيرة على جثمان جوركي المسجى على فراش الموت، واسمحوا لي إذا صارحتكم، بأني ظللت أسرح النظر في هذا الموج المتدفق من الأطفال والنساء والعمال الذين كان جوركي صديقهم وترجمانهم، بنشوة وإعجاب؛ لكن نشوتي لا تلبث أن تنقلب إلى ألم يحز في قلبي كلما تذكرت بأن كل هؤلاء في غير الاتحاد السوفيتي، من الذين لا يسمح لهم بالدخول إلى مثل هذه القاعة، وهم من الطبقة التي كتب لها الشقاء، وحرمت عليها لذة العلم والتثقيف، كأنما ألصق على باب حديقة العلوم (ممنوع الدخول، هنا حديقة خاصة) ولكن إعجابي لا يلبث أيضاً أن يصبح كمداً يقطع في أحشائي كلما شعرت بأن ما يبدو لهم طبيعياً ما زال عندي شيئاً خارقاً يدهش له حسي وبصري، فلا أتمالك كلما ذكرت أو شعرت بذلك عن إرسال عبرة.

ماجد شيخ الأرض

<<  <  ج:
ص:  >  >>