إلى أي طريق تساق البشرية؟ وهل قدر أن تسود الديمقراطية، أو تسيطر الديكتاتورية؟ وهل يستطيع العالم بعد ما ذاق طعم الحرية وتعود جني ثمارها وتطبع بأخلاقها، أن يتخلى عنها تحت ضغط الحديد والنار؟ إن التاريخ البشري حافل بقصص المجاهدين في سبيل حرية الفكر، مملوء بأحاديث الضحايا الذين فضلوا الموت على أن يتنازلوا عن مبدئهم
فإذا ذكرنا أن الحرية كانت في مهدها في تلك العهود، وذكرنا أيضاً أن الناس ظلوا أجيالاً طويلة ورقابهم تحت السيف أدركنا أن الديمقراطية تنتصر حتماً مهما طال عهد النضال وتأكد لنا أن الدكتاتورية لن تسيطر إلا إذا عبدت طريقها على رمم الديمقراطيين. فالحرب الآن نضال بين مبدأ الهمجية ومبدأ الإنسانية!
مأساة تتكرر
وإذا كانت جيوش ألمانيا الآن قد تقدمت فإنها تعيد ما حدث في سنة ١٩١٤ عندما ما وصلت على بعد ٧٠ ميلاً من باريس وجيوش الحلفاء لم تصب بعد بخسائر كبيرة، بل هي تتقهر بانتظام بكامل قواتها حتى تسنح الفرصة الملائمة، وحتى تضعف عدة الهجوم الألماني وتتوزع قواته؛ فإنه يلاحظ في هذا الهجوم عدة أوجه: أولها أن قوات الحلفاء تتجمع بينما قوات الألمان تتوزع. وقوات الألمان في مناطق ثائرة تريد الخلاص، بينما قوات الحلفاء في مناطق موالية تعمل للدفاع وثاني هذه الأوجه اتساع جبهة القتال الألمانية وتخلخل قواتها، فخلف جيوشها في فرنسا قوات معادية كبيرة في بلجيكا فحكومة بلجيكا. مازالت قائمة في ديارها تعتمد على جيوش بلجيكا وبريطانيا وفرنسا، ومعاركها لم تنته بعد لتقرر سلامة النتوء الألماني الذي يمتد من لونجوي إلى أميان ووجهته موانئ بحر الشمال. ويفهم من تغيير القيادة الفرنسية تغيراً جوهرياً في الخطط العسكرية، كما يفهم من تصريحات رئيس وزراء فرنسا وإنجلترا أن الحلفاء صمموا على النضال إلى النهاية حتى يضمنوا النصر. وهذا مؤكد بفضل اتساع مواردها المالية، وغنى الإمبراطوريتين