للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حول أدب الرافعي]

بين القديم والجديد

للأستاذ محمد أحمد الغمراوي

- ٥ -

لقد أخذنا على كاتب مقالات (بين العقاد والرافعي) أنواعاً من الأغلاط ذكرنا لكل منها أمثلة عدة دون استقصاء. فهناك أغلاط اضطراب في التفكير كالتي ذكرنا في كلمتنا الثانية؛ وهناك أغلاط جور ومحاباة كالتي عددنا في كلمتنا الثالثة؛ ثم هناك أغلاط ضعف في الفهم أخطأ بها الكاتب لب الموضوع كالتي فصلنا في الكلمة الرابعة. وكلها تدل دلالة واضحة على أن كاتب تلك المقالات لم يكن فيها يفكر بعقله وإنما كان يفكر بهواه.

إلا أن أغلاط التفكير بالهوى ليست كلها في الدلالة أو في التبعة سواء. فان ذا الهوى المتعصب لمذهب أو لكاتب قد يتأثر عقله بعصبيته وهواه من حيث لا يدري، فيقع في الخطأ من حيث لا يقصد، وتكون آثار الهوى والعصبية ظاهرة في كتاباته وأحكامه لكل إنسان سواء هو ومن لف لفه. مثل هذا لا يزيد الهوى والعصبية على أن يفسد عليه تفكيره فتصبح أفكاره وآراؤه وأحكامه غير ذات قيمة، ولكن من غير أن يحمل في ذلك تبعة خلقية تذكر.

أما إذا تأثر ذو العصبية والهوى بعصبيته وهواه إلى الحد الذي يشعر بأثرهما في رأيه وحكمه ثم لا يقاومهما مقاومة مجدية ولكن يتابعهما ويطاوعهما فيما يوحيان إليه من إخفاء ما لا يوافقهما من الحق، وتحريف ما يخالفهما من الواقع، فأنه عندئذ يكون قد جمع على نفسه ضعفين: ضعف العقل وضعف الخلق؛ وتحمل في سبيل هواه تبعتين: تبعة الخطأ وتبعة سوء النية فيه.

وقد كان فيما نبهنا إليه بالفعل من أغلاط ذلك الكاتب غلطتان لا يمكن حملهما على مجرد الخطأ العقلي. وقع في أولاهما حين أراد أن يعتذر عن تغيير رأي كان أرتآه، فيه بعض مدح للرافعي، ووقع في أخراهما حين أراد أن يعتذر عن سوء فهم لبعض ما قال الرافعي نبهه إليه الفاضل الفلسطيني علي كمال. وقد اعتذر في كلا الموقفين بما يخالف الواقع:

<<  <  ج:
ص:  >  >>