عقيدته الدينية والسياسية: كان لنشأة أبي العتاهية بالكوفة أثر في عقيدته الدينية والسياسية، فقد كانت الكوفة مهد التشيع للعلويين من يوم أن اتخذها علي رضي الله عنه عاصمة خلافته، وآثرها بذلك على المدينة التي كانت عاصمة الخلافة قبله، فنشأ بها أبو العتاهية متشبعا بمذهب الزيدية البترية، لا يتنقص أحدا ولا يرى مع ذلك الخروج على السلطان؛ وكان مجبرا، يقول بالتوحيد، ويزعم أن الله خلق جوهرين متضادين لا من شيء، ثم بنى العالم هذه البنية منهما، وهو حادث العين والصنعة لا محدث له إلا الله تعالى، وسيرد الله كل شيء إلى الجوهرين المتضادين قبل أن تفنى الأعيان جميعا؛ وكان يذهب إلى أن المعارف واقعة بقدر الفكر والاستدلال والبحث طباعا، ويقول بالوعيد وتحريم المكاسب. ولما ظهر الخلاف في خلق القرآن كان ممن يقولون بخلقه، وقد حدث أبو شعيب صاحب أبن أبي دؤاد قال: قلت لأبي العتاهية: القرآن عندك مخلوق أم غير مخلوق؟ فقال: أسألتني عن الله أم عن غير الله؟ قلت عن غير الله، فامسك؛ واعدت عليه فأجابني هذا الجواب حتى فعل ذلك مرارا، فقلت له مالك لا تجيبيني؟ قال: قد أجبتك ولكنك حمار
فهذه هي عقيدة أبي العتاهية لا شيء فيها مما ينسبه إليه بعضهم من الزندقة، وإن كان يخالف فيها المعروف من مذهب الجماعة، ولكن بني العباس كانوا قد نقضوا ما اتفقوا عليه مع بني علي قبل قيام دولتهم، من جعل الأمر شورى بينهم، فاستأثروا به لأنفسهم، وثار بذلك بنو علي عليهم، وتحركت نفوس كثير من العلماء ووجوه الناس لنصرتهم، فلم ير بنو العباس حيلة تنفعهم في ذلك إلا أن يأخذوهم باسم الدين، ليخدعوا به العامة، ويرهبوا به الخاصة، وأحدثوا في ذلك ما لا يعرفه الإسلام من التجسس على الناس في أمور عقائدهم؛ وقد أمر الإسلام أن يؤخذ الناس في ذلك بما يظهر منهم، وأن يترك باطنهم لله تعالى وحده، وإنما السياسة وحدها هي التي أخذت من أخذت في ذلك العهد باسم الزندقة، والدين بريء من هذه الدماء التي سفكت بالشبهة واستبحت بالظنة
فما انتقل أبو العتاهية من الكوفة إلى بغداد، وعرف العباسيون أخذه بالتشيع لأبناء علي،