للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تعقيبات]

للأستاذ أنور المعداوي

(بداية ونهاية) لنجيب محفوظ:

(بداية ونهاية) دليل مادي لا ينكر، على أن الجهد والمثابرةجديران يخلق عمل فني كامل.

لقد أتى عل وقت ظننت فيه أن نجيب محفوظ قد بلغ غايته في (زقاق المدق)، وأنه لن يخطو بعد ذلك خطوة أخرى إلى الأمام. أقول غايته هو لا غاية الفن، لأن (زقاق المدق) كانت تمثل في رأي الظنون أقصى الخطوات الفنية بالنسبة إلى إمكانيته القصصية. ولهذا، خيل إلى أن مواهب نجيب قد (تبلورت) هنا وأخذت طابعها النهائي وتوقفت عند شوطها الأخير. ومما أيد هذا الظن أن (السراب) وقد جاءت بعد (زقاق المدق) كانت خطوة (واقفة) في حدود مجاله المألوف، ولم تكن الخطوة الزاحفة إلى الأمام!

كان ذلك بالأمس. . أما اليوم، فلا أجد بدا من القول بأن (بداية ونهاية) قد غيرت رأيي في (إمكانيات) نجيب، وجعلتني أعتقد أنه قد بلغ الغاية التي كنت أرجوها له، غايته هو وغاية الفن حين كانت الغايتان مطلبا عسير المنال!

أنني أصف هذا الأثر القصصي الجديد لهذا القصاص الشاب، بأنه عمل فني كامل. هذا الوصف، أو هذا الحكم، مرده إلى أن أعماله الفنية السابقة كانت تفتقر إلى أشياء؛ تفتقر إليها على الرغم من المزايا المختلفة التي تحتشد فيها وتحدد مكان صاحبها في الطليعة من كتاب الرواية!

ماذا كان ينقص نجيب قبل (بداية ونهاية)؟ ماذا كان ينقصه في (خان الخليلي) و (القاهرة الجديدة) و (زقاق المدق) و (السراب)، لقد كان نجيب في هذه الروايات الأربع يمتلك من الخطوط الفنية ما يتيح له من أن يخرج (التصميم العام) للقصة وهو سليم في جملته. ومع ذلك فقد كان ينقصه عنصر الالتزام الدقيق لحدود (الواقعية الأولى) في عرض حوادث القصة وتوجيه حركات الشخوص. وأقول (الواقعية الأولى) لأن (الواقعية الثانية) هي الساحة الكبرى التي دأب نجيب على أن يعرض فيها أكثر نماذجه البشرية!

إن الفرق بين هذين اللونين من الواقعية هو أن اللون الأول نقل (مباشر) لصور الحياة وطبائع الأحياء، كما هي في الواقع المجس الذي تلمسه العين وتألفه النفس. أعني أن تكون

<<  <  ج:
ص:  >  >>