لعل السؤال التالي يجول بخاطرك أيها القارئ الكريم: من يحكم إنجلترا؟ أهو مليكها أم رئيس الوزراء أم مجلس العموم أم مجلس اللوردات؟ وأنا أجيبك عن هذا السؤال فأقول: إن مجلس العموم هو الذي يحكم إنجلترا؛ ذلك أن مجلس العموم يمثل الشعب البريطاني أصدق تمثيل، ورئيس وزرائها لا يستطيع أن يبقي في مركزه يوماً واحداً إذا قبض هذا المجلس عنه ثقته، وإذن فمصدر السلطات جميعا هو الشعب البريطاني، وأما ملك إنجلترا فإنه حسب التقاليد يملك ولا يحكم، وأما مجلس اللوردات فهو مجلس تقليدي ليس له من الأمر شئ.
وأجب أن أضرب للقارئ مثلاً عن الديمقراطية في بريطانيا وهو مثل قريب جداً إلى الأذهان، ولكنه يبين لنا إلى أي حد يعتبر مجلس العموم ممثلاً للشعب البريطاني، ويوضح أيضاً مدى الحرية التي يختار بها هذا الشعب نوابه وممثليه. إننا جميعاً نذكر أن مستر تشرشل زعيم حزب المحافظين كان رئيساً للوزارة البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية، وإننا نذكر أيضاً ذلك المجهود الجبار الذي قام به حتى أنقذ بريطانيا من أشد أزمة مرت بها في تاريخها، ومع هذا فعقب انتهاء الحرب ١٩٤٥ أجريت الانتخابات لمجلس العموم وأدار دقتها مستر تشرشل، وسقط مرشحوه أي مرشحو المحافظين ونجح مرشحو حزب العمال وأحرزوا الأغلبية في مجلس العموم، فانتقلت الوزارة من يد تشرشل المكافح العظيم والمناضل الكبير إلى يد المستر تشرشل في نزاهة الانتخابات طبعاً، ولم يرم الشعب البريطاني بالجحود وبنكر ان الجميل، وسلم بالأمر الواقع مطاعاً مختاراً!
ومثال آخر أحب أن أسوقه للقرئ الكريم. دعي مستر تشرشل لحضور مؤتمر بوتسدام في صيف ١٩٤٥ باعتباره مندوباً عن بريطانيا - وكان هذا المؤتمر بمفرده، بل اصطحب معه المستر كلمنت أنلي زعيم المعارضة ورئيس حزب العمال. لماذا؟ لأن إنجلترا كانت مقبلة على انتخابات، وربما جاءت الانتخابات بما لم يشته مستر تشرشل - وهذا ما حدث فعلاً - وانتقلت الوزارة إلى العمال، وإذن فيجب أن يكون زعيم العمال على علم بما يجري في