والمخالفة الاجتماعية، لا تقل قوة. ومن ثم فإن المسألة للمشرع الأخلاقي هي كيف يعد نظام الجزاء والعقاب هذا حتى يصون أقصى حد ترغبه السلطة المشرعة؟ فإذا قلت أنا: إن السلطة المشرعة نياتها سيئة، فإني أعني فقط أن رغباتها تتعارض مع رغبات قسم من المجتمع أنتمي إليه، لأنه ليس هناك من مستوى خلقي خارج الرغبات البشرية.
وهكذا فإن ما يميز الأخلاق عن العلم، ليس هو أي نوع خاص من المعرفة، بل هو الرغبة. والمعرفة المحتاج إليها في الأخلاق، هي بالضبط مثل أي معرفة أخرى. والشيء الغريب هو أن هناك غايات يرغب فيها. والسلوك الحق هو الذي يفضي إليها، وبالطبع إذا كان تعريف السلوك الحق يثير رغبات واسعة متعددة، فإن الغايات يجب أن تكون كما يريد أقسام كبيرة من الجنس البشري. فإذا عرفت السلوك الحق بأنه هو الذي يزيد دخلي الخاص، فإن القراء لن يوافقوا، وإن القوة كلها في أية حجة أخلاقية لتكمن في جزئها العلمي، أعني في البرهان على أن نوعاً من السلوك أكثر من سلوك آخر وسيلة لغاية ترغب بشدة. ولكني أميز بين الحجة الأخلاقية والتربية الأخلاقية، فالأخيرة تتوقف على تقوية رغبات معينة وإضعاف أخرى، وهذه عملية مختلفة تماماً ستناقش وحدها في مكان آخر.
ونستطيع الآن أن نشرح بدقة أكثر معنى تعريف الحياة السعيدة. الذي بدئ به هذا الفصل فحين قلت إن الحياة السعيدة تتألف من الحب الذي إليه المعرفة، كانت الرغبة التي دفعتني هي الرغبة في أن ترى الآخرين يعيشون نفس الحياة. والإقناع المنطقي في هذا القول هو أنه في مجتمع يعيش فيه الناس على هذه الصورة، سترضي رغبات أكثر من مجتمع آخر، فيه حب أقل ومعرفة أقل، وأنا لا أعني أن مثل هذه الحياة (فاضلة) أو عكسها (رذيلة) لأن هذه تصورات يبدو لي أن ليس فيها تأييد علمي.