للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

لقاء!. . .

للأستاذ محمد سعيد العريان

كان النَّدِيُّ مزدحماً بالسامرين على عادته كل مساء؛ قد تحلقوا حول الموائد جماعات جماعات، في البهو، وفي الشرفات، وعلى الطَّوار؛ وكان الميدان الفسيح الذي يشرف عليه الندي، مراد العيون ومستراح النظر؛ فما تقع العين منه إلا على منظر أنيق ومرأى فاتن، والسيارات تتهادى ذاهبة آيبة تحمل كل منها قصة حب أو تُسرّ حديث هوى، وأسراب الملاح تتواكب في مطارف الفتنة وعطر الشباب غادية إلى ميعاد أو رائحة إلى أمل، ونسيم المساء الهادئ ينفح عطره ويهمس في كل أذن حديثه. . .

. . . وكان ثمة بضعة نفر جلوساً إلى مائدة مستديرة في ظل وارفة لفّاء يتجاذبون الحديث ويتبادلون الفكاهات في أنس ومسرة. أولئك (رفيق) وأصحابه

بضعة نفر لا يشغلهم من هم الحياة ما يشغل الناس، جمعهم الشباب على هوى مشترك، وألفت بينهم الحياة على رأيٍ جميع، واجتمع لهم من أسباب النعمة ما أغنى بعضهم عن بعض فقرّب بعضهم إلى بعض؛ فهم قدمٌ واحدة بكل سبيل، وقلب واحد في كل هوى، ورأيٌ واحد في كل مغامرة من مغامرات الشباب. ذلك مجلسهم كل مساء حيث يلتقون فيقص بعضهم على بعض من حديث الهوى والشباب؛ فلكل فتاة من فتيات المدينة بينهم حديث؛ ولكل منهم من حديثها خبر، ولكل غاديةٍ ورائحةٍ لحظة عين وبنتُ شفة

على أن رفيقاً وأصحابه لم يجتمعوا الليلة لمثل ما يجتمعون كل مساء؛ فإن لهم اليومَ لشأنا يشغلهم عن لحظات العيون وبنات الشفاه وأقاصيص الهوى والشباب؛ فقد غدا عليهم (رفيق) يؤذنهم بخبر لم يكن لهم في حساب؛ لقد اعتزم رفيق أن يتزوج. . .

وا أسفا! لم يكن يحسب هؤلاء الأصحاب أن يصير اجتماعهم بعد تلك السنين إلى شتات، وأن يكون رفيق أسبقهم إلى الفراق!. . . أتراه يكون لهم بعد الزواج ما كان لهم قبله؟ من يدري؟ بل إنهم ليكادون يدرون؛ فما يتأتى له أن يلقاهم بعدُ ويلقونه، وإنه لزوج ورب دار. . .

وتناولوه بألسنتهم وركبوه بالمزاح والدعابة، وهو يستمع إليهم مبتسماً في صمت، ثم مضى

<<  <  ج:
ص:  >  >>