سأل الاسكندر حكيماً: من يصلح للملك؟ فقال له. . إما ملك حكيم أو ملك ملتمس للحكمة. . والحكمة في هذا المقام معناها الفلسفة. . وقد قرن هذا الحكيم السياسة بالفلسفة واعتبرها أداة من أدوات الحكم ووسيلة من وسائل العدل. . واشترط على الحاكم أن يكون فيلسوفاً أو ملتمساً للفلسفة ليعم الأمن وينتشر السلام وتستقيم الأمور وتصلح الأحوال، وكثيراً ما كتب الحكماء في نظم عامة ابتدعها أخيلتهم وزعموها توفر على الناس في هذه الدنيا اللذة والسعادة وتنفى عنهم الألم والشقاوة. فعل ذلك أفلاطون في الجمهورية والفارابي في أهل المدينة الفاضلة وتوماس مور في أو طوبيا كما فعله كثير غير هؤلاء ممن ترسم آثار أفلاطون ونسج على منواله. . ومن كتاب هذا العصر الذين تناولوا هذه الناحية كاتب اسمه (موروا) وله كتاب اسمه فن الحياة. . من فصول هذا الكتاب فصل في فن الحكم يتكلم فيه المؤلف عل أخلاق الرؤساء الذين يسوسون أمور الناس. والرئيس الكبير في نظره هو صاحب الخلق الكبير. . ومهما قال الحكماء أو تحدث الكتاب، ومهما اختلفت الآراء وتباينت وجهات النظر. . فإن السياسة تعتمد اعتماداً كبيراً على الأخلاق. . لأن السياسة التي خلق لها إنما هي سياسة لا تلبث أن تتلاشى كما يتلاشى الدخان في الفضاء وما نجحت سياسة بعض رجال العرب في الماضي إلا لأن أصحابها كانوا على خلق عظيم. . من بين هؤلاء الخليفة العربي المسلم عمر بن عبد العزيز الذي ألقت إليه المقادير بزمام الحكم بعد موت سليمان بن عبد الملك دون أن يكون له طمع في خلافة أو رغبة في حكم. . وقد نهج في حكمه نهج جده العظيم عمر الفاروق واحتذى مثاله وسار بالناس في طريق الخير حتى كان عهده من أحسن عهود التاريخ وأعظمها مكانة وأوفرها خيراً وبركة. . وستظل سيرة عمر بن عبد العزيز قصيدة شعرية رائعة يقرأها الناس في كل مكان وزمان ليتمتعوا بما فيها من روعة وجمال، وعظمة وجلال؛ فالأثر العميق الذي تركه عهد عمر في تاريخ الإسلام برغم أن مدة حكمه لم تزد على العامين يدل على أن الخليفة كان ذا صفات عالية. . دقيق الحسن في إدراك الحقائق الواقعة.